أثار شجوني الزميل العزيز صالح الشيحي في حديث عابر بيننا للعودة مرة أخرى للكتابة عن موضوع قديم يتجدد كلما استحدثت وسائل جديدة أكثر تيسيراً لمنح الشهادات العليا برزمة فلوس وبدون مجهود من دكاكين منح شهادات الدكتوراه “الخرطية”.
رغم أني كتبت أربعة مقالات سابقة عن هذا الموضوع الخطير إلا أني أجد نفسي بين فترة وأخرى مدفوعاً للكتابة فيه والتأكيد على خطورة شهاداته حتى ولو استخدمت لأغراض غير علمية، فالشائع حالياً أن الحصول عليها يُمكّن المستفيد من استخدامها كجواز عبور للظهور في وسائل الإعلام وتفسير الأحلام وبرامج تطوير الذات. صحيح أن الجامعات والمؤسسات الأكاديمية لا تستقبلهم لكنهم يتكاثرون في الدوائر الحكومية والكارثة أن نسبة منهم يتولون مناصب قيادية ولم تفلح بعض القرارات مثلما حدث في وزارة التربية والتعليم في منعهم من استخدام حرف الدال في الخطابات، لكنهم يسلكون ألف طريق للتحايل على تلك القرارات وتمييعها حتى تحوّلت إلى قرارات غير سارية المفعول.
تتعالى الأصوات عندما تقدم أطروحات ضعيفة لا تخدم المجتمع فكيف الحال عندما تمنح شهادات ورقية لمن لم يقدم أطروحة أو يدرس مقرراً.
قبل سنوات حدثت ردود فعل اجتماعية وإعلامية على أطروحة علمية في تخصص التغذية لمجرد أن العنوان لم يرق للمعارضين حيث كان عنوانها: القيمة الغذائية للدجاج البلدي والمستورد رغم أن الرسالة تمت وفق مناهج البحث العلمي، واليوم لا نرى ردود فعل موازية لحجم الجرائم العلمية التي تُرتكب أمام أنظار الجميع بشراء وتزوير الشهادات.
هوس الدكتوراه والبحث عن الطرق السالكة للحصول عليها ليست جديدة، لكنها تطورت مع الوقت من الالتحاق بالتخصصات السهلة أو الأقل صعوبة إلى البحث عن الشهادات الجاهزة “نظام التوصيل السريع” والإنترنت يقوم بدور كبير في الترويج لبرامج الشهادات “الفالصو”فالبريد الإلكتروني يتلقى دون حواجز المئات من رسائل تقدم البرنامج في يد والشهادة الجاهزة في اليد الأخرى تنتظر دفع الفلوس. قبل سنوات جاء طالب سعودي مبتعث لبريطانيا لتحضير الدكتوراه في تخصص تربية الدواجن.
يبدو أن التخصص أثار تندُّر بعض زملائه فوجَّه له زميل سؤالاً يُعبِّر عن استغرابه من مسمى التخصص، وقال له: يعني ما لقيت إلا تربية دواجن؟ رد عليه فوراً وبما أثار ضحك الجميع يا عمي ما يهم التخصص المهم الدال والنقطة حتى لو في تربية الحمير. هذا الجواب بقدر ما هو طريف فإنه يكشف عن حالة متأصلة في ثقافة مجتمع يبحث عن الدرجة العلمية بأية وسيلة حتى ولو كانت غير مشروعة.. للأسف انحدرت هذه الثقافة من تلمُّس الطرق السهلة المشروعة إلى طرق ووسائل غير مشروعة تضمن لهم على الأقل البرستيج الاجتماعي والظهور الإعلامي.
إعلان وزارة التعليم العالي ضبطها لمائة وعشرة مكاتب وهمية لتسويق الشهادات من الجامعات الأجنبية ليس إلا حلاً جزئياً من الحلول المنتظرة لإيقاف هذه المهازل لأن الوزارة تستطيع إغلاق دكاكين منح الشهادات المفتوحة في الشوارع لكنها لا تستطيع أن تُوقف سيل العروض المنهمرة عبر الإنترنت وطرق التقديم السهلة والتسديد الأسهل والحصول على الشهادة عبر الإنترنت.
ما يُرتكب علاوة على أنه كذب وتدليس وافتراء فهو مخالفة صريحة للأنظمة يُعاقب عليها القانون وتزوير ينتظر أن يُطبق عليه عقوبات التزوير المعتمدة في وزارة الداخلية.. وهذه أيضاً حلول جزئية إذ الحاجة تدعو لإيجاد نظام متكامل يُجرّم هذا الفعل قولاً وعملاً لحماية المجتمع من هذا الوباء الفتّاك.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15