يُراهن بعض من الناس على فشل الإخوان المسلمين في انتزاع السيطرة ومن ثمّ حسن إدارة دفة الحكم وتسيير السياسة في بلاد الربيع العربي. ويُراهن البعض على نجاحهم في كلا الأمرين. وأنا من المراهنين على نجاحهم، وإن لم أكن منهم. فلست ممن يجحد أو يغالط في الحقائق نفسه. وسأسوق هنا بعض الحقائق والشواهد الدالة عليها.
الحقيقة الأولى: الإخوان المسلمون حزب سياسي في أصله، قام على أساس أن تكون الحاكمية له، تحت شعار الإسلام. فالهدف من نشأة الحزب هو الحكم والوسيلة هي الإسلام. لذا فزعماء الإخوان ومُنظّريهم هم رجال ونساء سياسيون بالفطرة ممن تطمح نفوسهم للسياسة ولقيادة الأحزاب والحكومات. وهناك فرق بين حب السياسة من أجل ممارسة الحكم كالإخوان، وبين حب السياسة لاستغلالها في الفساد الإداري والمالي وظلم الناس كالأنظمة الدكتاتورية والعسكرية.
الحقيقة الثانية: الإخوان المسلمون حزب قد عركه الزمن، وامتحنته الأيام، وطحنته الحكومات، وتكالبت وتعاونت عليه الأمم حتى أصبح واعياً مُدركاً لأهمية مُداراة القوى المختلفة دولياً وإقليمياً ومحلياً. فالإخوان سيكونون أكثر مداراة ومراعاة لمصالح القوى العالمية والإقليمية والمحلية الأخرى من كثير من الأنظمة القائمة والبائدة. ومن شواهد ذلك مواقف الغنوشي التونسي.
الحقيقة الثالثة: إن الإخوان المسلمين حزب منظَّم، قد شهدت له المؤتمرات والمشاهد بحسن التنظيم وروعة التنفيذ في أمريكا وأوربا وغيرهما. وأعضاء الحزب متعلّمون ومفوهون، قد أوتوا من حسن الخطابة والسياسية ومن الخطاب العقلي ما أسروا ويأسرون به النفوس ويلينون به القلوب ويروّضون به العقول.
الحقيقة الرابعة: إن الإخوان المسلمين ليسوا بمُتهمين عند عامة المسلمين، فقد حاربتهم الأنظمة والدول عالمياً وإقليمياً ومحلياً في دولهم، مما يشفع لهم في أخطائهم ويسهّل عليهم تقبّل الناس لهم. فعامة الناس تميل مع الضعيف في الحكم له وشاهده قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ}.
الحقيقة الخامسة: الإسلام هو شعار الإخوان المسلمين الذي يرفعونه لتمكينهم من السياسة ولكن على عظمة ما ينالون بهذا الشعار إلا أنه لا يشكّل أي قيد عليهم. فإسلامهم هو إسلام ليس له مراجع ثابتة واضحة. فعندما تتعارض النصوص مع السياسة فالقرآن عندهم حينها يحتمل التأويل في المعاني، والسنة باللبس والخطأ في النقل فضلاً عن تأويل معانيها. وعليه، فإما أن تُحمل النصوص عندهم على حكمة الصبر والمداراة في التطبيق أو أن تُأوّل على المصالح العامة والمقاصد. وأما إن كانت النصوص الشرعية لها مغانم سياسية فعند ذلك تُرفع شعاراتها وتُؤسلم، صورة لا حقيقة في الغالب. فهم من جاء بالاقتصاد الإسلامي، والصيرفة الإسلامية، والحجاب الإسلامي، والطعام الحلال، في صور مؤسلمة لا حقيقة لها أو لا حاجة شرعية منها، ولكنها تُحيي شعارهم فترضي نفوس البسطاء وتؤكل نفوس الطُماع.
الحقيقة السادسة: إن الإخوان المسلمين لا يبالون باختلاف المذاهب أو المناهج أو حتى الأديان، فهم يدعون إلى حرية دينية عامة لا إلى الإسلام خاصة، ويتركون للناس خيارهم فيما يريدونه من دينهم، مما يجنبهم التصادم ويوفر لهم قاعدة شعبية واسعة. وهذه خاصية لم تحظ بها الأنظمة البائدة أو الدكتاتورية من قبل، وقد كان الإخوان إحدى ضحايا التمييز ضدهم. والناس باختلاف أديانهم ومذاهبهم عادةً ما يحترمون المتنسّك أو الراهب طالما لم يُجبرها أحد على التنسّك أو الترهّب معه أو يُعيرها.
الحقيقة السابعة: أنه لا بديل لهم اليوم بعد أن جربت الناس الأحزاب الوطنية باختلاف مشاربها ففشلت جميعها، ورأت عواقب سلفية الطالبان، بينما جربت على النقيض تماماً من ذلك. فقد رأى الناس تركيا وماليزيا وحُكامهما الذين قد يعتبرون من مُخرجات الإخوان أو على منهجيتهم.
واختصاراً للقول، فإن الإخوان المسلمين حزب يوافق الشارع «الغلبان» أينما ذهب، أإسلاميا أراد أو علمانياً. فهو ديمقراطي أكثر من الديمقراطيين وعقلاني أكثر من العقلانيين. يغضب للإسلام عندما يغضب الشارع له ولو كان تافهاً، ويأوّل ما لا يحبه الشارع الإسلامي إلى المقاصد والمصالح ولو كان عظيماً. وقيادة الإخوان للديمقراطية العربية الحديثة هي في الواقع بداية لعزل الدين تماماً عن الحياة السياسية، مما سيُمكّن لهم إلى حين، والمسكوت عنه اليوم أن التغاضي الطويل عن الأسلمة الصورية التي جاء بها الإخوان المسلمون لكثير من المظاهر الاقتصادية والاجتماعية، قد ظهرت نتائجها اليوم. فالإخوان سيظفرون بالحكم بعد أن تخدَّر الناس لعقود بالدروشة أو بمنافع مادية وقتية اقتاتوا عليها بها باسم الأسلمة أو باسم التجديد بعد غياب البديل السلفي الذي إما مُتجمّد أو مُتفجّر.
hamzaalsalem@gmail.comتويتر@hamzaalsalem