الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبنصره وتأييده ينجى المؤمنين من الفتن المظلمات، والصلاة والسلام على سيد الخلق والبشر والبريات محمد بن عبد الله عليه وعلى آله وصحبه. فديننا -ولله الحمد- دين اجتماع ووحدة صف لا دين فرقة وخلاف {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}، وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تكون فتنة لا ينجى فيها إلا دعاء، كدعاء الغريق» رواه ابن أبى شبية والحاكم وصححه وقد روى أبو داود بسنده عن المقداد بن الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن»، وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «ستكون فتنة صماء بكماء عمياء، من أشرف لها استشرفت له، وإشراف اللسان منها كوقع السيف» رواه أبو داود. «والفتنه أشد من القتل». وقال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص «الزم بيتك، واملك عليك لسانك وخذ بما تعرف، ودع عنك ما تنكر، وعليك بخاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة».
وفي الحديث الذي رواه أبو داود والحاكم وصححه من طريق أبى موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسى كافرًا. القاعد فيها خير من القائم، القائم فيها خير من الماشي. والماشي فيها خير من الساعي» قالوا: فيما تأمرنا قال: «كونوا أحلاس بيوتكم «، والنصوص في هذا تطول، ولا مجال لحصرها ولكنى عندما كتبت هذه الأسطر لم يكن في خلدي حصر النصوص فحسب، ولكني أردت أن أعظ نفسي، والقارئ الكريم على علم بأننا في هذه الأيام نعيش عصرًا من عصور الفتن وزمنًا من أزمانه، إذ كثر فيه الهرج والمرج وكثرت فيه النوازل وسهلت فيه طرق الفرقة والخلاف، إذ يجب على المسلم في مثل هذا الزمان والحوادث أن يتقي الله - عزّ وجلّ - ولا يعبده إلا بما شرع وما شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}، ولا يهدم عرىَ الإسلام إلا في موج الفتن.
وهذه سنة الله في خلقه وكونه للذين تحت ملكه وتدبيره، فالفتن يعرفها العلماء إذا أقبلت فينبهون الأمة فيها كما فعل سيدهم صلى الله عليه وسلم مع أمته ولا أرحم منه علينا {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }. فنبينا صلى الله عليه وسلم عانى من الفتن فقد فُتِن صلى الله عليه وسلم في عرضه الشريف وكذب الأفاكون ورموا الطاهرة بالإفك وحاشا بيت النبوة ذلك ولكن التوجيه الإلهي {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}، وقال تعالى جوابًا لمن سأل عن الطريقة المثلى في تلقي الخبر وهو لا يدرى عن صحته ولا يعلم عن مدىَ خطورة التخبط فيه، إذ لو جاءتك رسالة من الرسائل النصية على محمولك، أو رسالة تلقيتها عبر الروابط الإلكترونية، أو تغريدة مجهولة الحال فالواجب عليك وصية الله للمؤمنين في مثل هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. وقال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، وقال: {لَوْلَا إذ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خيرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}، وقال: {وَلَوْلَا إذ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }، فما هي الموعظة يارب؟ {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أبدًا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، موبخًا من يصدق الأخبار الكاذبة التي تزعزع العرض وتخدش الدين {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}. فالواجب على المسلم التثبت وعدم العجلة وألا يحدث بكل ما سمع «كفي بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع» وقد وعظنا رسولنا صلى الله عليه وسلم موعظة تنجينا يوم القيامة فقال: يا معاذ ثكلتك أمك وهل يكب الناس على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، وقال: أمسك عليك هذا. وقال: من ضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة. والكلام يطول والنصوص غالبة ولكني أريد التخفيف على القارئ الكريم وأخلص إلى أنه حذاري حذاري من التهاون في نشر كل شيء يصلك قولاً أو فعلاً حتى تتأكَّد من صحته واجعلها في قرار مكين ولتحذر بما يشاع في قنوات التواصل الاجتماعي «الفيس بوك أو تويتر أو غيرهما» أن تصيب قومًا بجهالة أو تحيي فتنة نائمة وتشق عصا المسلمين وتبثلخوف وتزعزع الأمن في ربوع البلاد بسبب العجلة والطيش وعدم التثبت أو تجرح مشاعر أو تقفل باب خير أو تفتح باب شر، واستقم كما أمرت ولا تنازع الأمر أهله، وتذكر أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، ولتعلم أن كلامك في غيرك أحد أمرين إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وإن صوابًا فمن الله وإن غير ذلك فمن نفسي المقصرة والشيطان.
* القاضي السابق بوزارة العدل