السنّة النبوية هي التي فصَّلت الفروع وأتمَّت بيان الكثير منها وهي التي وضعت القواعد ليُبنى عليها ما يجدّ للناس من أحداث.
وقد أجمع المسلمون على أن السنّة النبوية متى ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت حجة في الدين ودليلاً من أدلة الأحكام وجب اتباعها والرجوع إليها والعمل بمقتضاها فلأهمية السنة النبوية وضرورتها اعتنى العلماء اعتناءً بالغاً بالحفاظ عليها فألّفوا المصنَّفات العديدة فيها كالجوامع والسنن والأسانيد والمستخرجات وغيرها كما صنّفوا كتباً تبيّن قواعد وقوانين قبول ورد الروايات المذكورة في كتب السنة وتوضيح مختلف العلوم المتعلقة بأسانيدها ومتونها وسُميت بكتب علم أصول الحديث.
وفي هذا الإطار أصدرت مكتبة الرشد (ناشرون) عملاً موسوعياً بارزاً يحتوي على 7 أجزاء وما يقرب من 4500 صفحة بعنوان: (التحيير لإيضاج معاني التفسير) للعلاّمة محمد بن إسماعيل الأمير وجمعه وعلَّق عليه محمد صبحي بن حسن حلاق ليضم بين دفتيه العديد من القضايا والأفكار في السنّة الصحيحة وأصولها ليُعد مرجعاً ينهل منه الباحثون والدارسون وطلاب العلوم الشرعية وغيرهم.
يبدأ المحقق في طرح معنى السنّة فيقول: السنّة لغة السيرة - حسنة كانت أم قبيحة - قال خالد بن عتبة الهذلي في ذلك المقام:
فلا تجزعن من سيرة أنت سرتها
فأول راض سنة من يسرها
وفي التنزيل العزيز: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} وقال الزجاج: (سنة الأولين أنهم عاينوا العذاب فطلب المشركون أن قالوا: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء} وفي حديث: (من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن يُنقص من أجورهم شيء ومن سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن يُنقص من أوزارهم شيء).
وعن أهمية السنّة في الشرع يقول إن المراد بها ما أمر به النبي ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً ما لا ينطق به الكتاب العزيز ولهذا يُقال في أدلة الشرع: الكتاب والسنة - أي القرآن والحديث.
ولذا أوجب الله على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر وينهى فقال تعالى: {ْوَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}.
أي ما أعطاكم الرسول صلى الله عليه وسلم من الفيء فخذوه لكم حلالاً وما نهاكم عن أخذه فانتهوا واتقوا الله في أمر الفيء إن الله شديد العقاب على ما نهاكم عنه الرسول.. هذا هو المعنى الأصلي للآية الذي يدل عليه السياق.
ولكن الآية عامة في كل شيء يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم من أمر أو نهي أو قول أو فعل وإن كان السبب خاصاً، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وكل شيء أتانا به من الشرع فقد أعطانا إياه وأوصله إلينا.
ويواصل المحقق طرحه لهذه القضية الهامة للمجتمع المسلم فيؤكد أن المسلمين حفظوا السنّة في صدورهم وصحفهم مما ساهمت الذاكرة والأقلام والصحف في حفظ السنّة المطهرة، وسار الحفظ في الصدور وفي الصحف جنباً إلى جنب في سبيل هذه الغاية فحفظت السنّة على أسلم القواعد العلمية، ولذا اهتم بها المسلمون اهتمامهم بالقرآن الكريم لأنها المصدر الثاني للتشريع لتبقى محفوظة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وهذا العمل المتميز كما يرى المحقق هو أحد تلك المؤلفات الطيبة المفيدة للإمام العلاّمة محمد بن إسماعيل الأمير الذي شرح فيه كتاب (تيسير الوصول إلى جامع الأصول) للشيخ العلامة ابن الديبع والذي اختصره من (جامع الأصول) لابن الأثير والتي جمع فيها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين والتي حوت معظمها ما صح عن النبي الكريم فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد بعد أن رتّبها وهذّبها وذلل صعابها وقرّب نفعها وافتتحه بمقدمة متميزة فصّل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها وختمها بتراجم الأئمة الستة الذين جمع كتبهم في هذا العمل.
العمل الموسوعي رغم ضخامته وتعدد موضوعاته وقضاياه المتنوعة طُرح بأسلوب فريد وإخراج قشيب من خلال تبويب وفهرسة دقيقين ليصبح هذا العمل إضافة جديدة ومفيدة للمكتبة الشرعية.