عندما وُضع مفهوم بلاد العرب، لم يكن هناك من ينظر إلى ذلك من منطلق العنصر العربي، وإنما كانت القناعة منصبّة على أنّ هذه البلاد الشاسعة تحوي كثيراً من الأعراق التي عاشت على هذه الأرض التي تسمّى بلاد العرب منذ آلاف السنين. فهناك الآشوريون، والكلدانيون، والأكراد والأمازيغ، وقبائل عربية، ومختلطة، وزنجية وغير ذلك، كما أنّ الثقافات بمعانيها المختلفة من لغات ورقصات وموسيقى ومائدة طعام ومراسم زواج وغيرها، قد تمازجت وعاش أصحاب الأرض عبر السنين في وئام وخير، ولم يكن هناك تناحر عرقي إلاّ في أوقات محدودة ولظروف معيّنة، وفي مكان بعينه.
خطأ أيدلوجي ، وخطأ سياسي، وخطأ إعلامي وقع فيه بعضٌ من القيادات في البلاد العربية، في العصر الحديث، حيث لم يحسن الإيدلوجيون طرح العروبة بمفهومها الواسع، ولم يحسن السياسيون توظيف الأيدلوجيا الحقيقية لمفهوم التعريب في البلاد العربية، ولم يحسن كثير من الإعلاميين إيضاح واقع البلاد العربية، بالمعنى المقصود من التعريب، فكانت هذه الأخطاء المتراكمة وسيلة لاستغلالها من قِبل أناس قد تكون لهم مآرب كثيرة في تفتيت البلاد العربية.
إنّ واقع البلاد العربية في عصرنا الحاضر أصبح مهيأ لمن لديه القوة والمال في تفتيت البلاد العربية من منطلقات عرقية، لأنّ مثل هذه المنطلقات قد أصبحت جاهزة بعد تجييش عدد غير قليل من الناس، ودفعهم باتجاه الزّود عن العرق بدلاً من الدفاع عن الدولة التي تقع في محيطها العربي، وهذا أمر خطير جداً في ظل الظروف السائدة في وقتنا الحاضر. كان المعارضون السابقون، يرفعون شعارات الوحدة العربية بمفهومها الشامل، ولم يخطر ببال أحدهم أن يتكلم عن عرق بذاته، وظل الأمر كذلك، لكنهم لم يوضحوا بما فيه الكفاية معنى العروبة الجامعة للأعراق المتباينة في البلاد العربية، وبعد ذلك تطوّر ذلك المفهوم لدى المعارضين إلى النظر بعين أخرى إلى الأعراق بدل تصحيح المسارات الخاطئة لدى الكثير من مدّعي العروبة ورفع شعاراتها دون إنجاز تستفيد منه البلاد العربية وقاطنوها. وفيما بعد أخذ كل عرق يرفع شعار عرقه، ويناضل من أجله، ولهذا فقد تغيّر اتجاه البوصلة من الوحدة العربية بمفهومها القديم الذي يشمل جميع البلاد العربية أرضاً وثقافة وأعراقاً، والتي لم يحسن مدّعوها إيضاحها والدفع بعجلة التقدم لسكان البلاد العربية إلى اتجاه آخر عرقي مشين.
وفيما بعد تطوّر ذلك الانتماء العرقي وأخذ في التوسُّع بعد أن كان محصوراً في مناطق معيّنة ومحدودة، وأضحى اليوم منتشراً، ويتوسّع مع مرور الوقت، ومن المؤسف حقاً أنّ أعداداً لا بأس بها من الناس انطلقت من هذا المفهوم الخاطئ الذي لن يجلب لذلك العرق المعني شيئاً يذكر من المنافع، لأنّ الخطأ الحقيقي كان وما زال في الممارسات غير الجيدة، وليس لمفهوم العروبة أو العرق العربي.
إنّ على القادة في البلاد العربية، اللحاق قبل فوات الأوان وتصحيح هذا الاندفاع حول العرقية في البلاد العربية، في وقت تتجمّع فيه دول مختلفة في الدين واللغة والعرق، بل تتباين في الكثير من المفاهيم، كما أنّ تاريخها كان مليئاً بالحروب الطاحنة فيما بينها كما هي الحال في أوربا، وغيرها من الدول.
إنّ جميع الدول دون استثناء تتكوّن من أعراق وديانات ومذاهب، ومع هذا فهي تتعايش في وئام، ولم يكن هناك صياح وعويل وقتال في سبيل الانفصال، بل كان الجهد منصباً إلى مزيد من الإصلاح والنهوض بالدولة واللحاق بمصاف الدول الكبرى التي سبقت غيرها في ميادين العدل والعلم واحترام الإنسان وحفظ حقوقه.
لو أنّ الأعراق في البلاد العربية، بما فيها العرق العربي ساعدت في الدفع ببلاد العرب إلى مجالات أرحب في المجال العلمي والاجتماعي، لكان أجدى لسكان البلاد العربية بأعراقهم المختلفة بلوغ مجال أوسع وأرحب، وحياة أفضل وأجمل.
إنّ استمرار هذه النزعة العرقية سيكون لها عواقب وخيمة ولابد لها أن تكون المعول المفتت للبلاد العربية، إذا استمر الحال، فقد رأينا بأم أعيننا ما حدث في إحدى الدول العربية وما زلنا نرى تلك المناداة العرقية في كثير من الدول العربية، فإلى أين نحن ذاهبون؟