أين العلماء والدعاة من التجمعات الشبابية في المدارس والأندية والجامعات؟ هل نجحت جهود العلماء في تفنيد دعوى الإرهاب وإغلاق باب الاجتراء على الفتوى؟ كيف اخترق الإرهاب عقول الشباب؟ وهل ساهمت جهود العلماء التوعوية في فضح التيار المتطرف؟ وما أنجح الوسائل لتحقيق هذا الهدف؟ هل كرس علماؤنا في أذهان شبابنا أن السلم هو الأصل في علاقة المسلمين مع غيرهم؟ وعليه نقول إن الذهن الإنساني أشبه بالوعاء الفارغ إذا لم تملأه بالخير امتلأ بالشر؛ حيث يوجد لدى نسبة غير قليلة من الشباب فراغ ذهني خطير، هذا الفراغ ناتج فيما نتج منه من وجود هُوة عميقة بين العلماء والمثقفين من جهة، وبعض الشباب من جهة أخرى، وقد لمست ذلك عند لقائي سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز الشيخ في مكتبه مع مجموعة من التائبين والعائدين من الفكر المنحرف.
فقد كان من نتائج فراغ أذهان بعض الشباب أن كان لأصحاب المذاهب المشبوهة دور في استغلال الأذهان الفارغة وحشوها بمعتقداتهم الضالة وانحرافاتهم الضارة، ومن المهم جداً كسب هؤلاء الشباب إلى الوضع الصحيح بعيداً عن الجنوح والجموح لكي تتوافر لديهم الرؤية الواعية بحيثياتها التي تحمل على الاقتناع التام بما يصدر عنه من معرفة وما يتلقونه من علم لضمان مسارهم في طريق الاعتدال. إن من واجب العلماء العاملين احتضان الشباب ومد جسور المحبة بما يقضي على الفجوة القائمة بين كثير من الشباب وبعض العلماء، والتقارب سوف يؤدي بلا شك لإفساح المجال أمام الشباب، لاستيعاب أحكام الدين على أسس صحيحة دون مزيد يدعو للغلو، ولا نقص يدعو للتهاون؛ حتى لا يكون الشباب فريسة سهلة لأدعياء العلم المزور، الذين يتربصون بهم فيتحولون في أيديهم إلى ما يشبه الأداة اللينة، التي يكيفونها كيف شاؤوا، ويضعون في أيديهم آلة مبرمجة حسب مخططاتهم. يقول أحد قادة تنظيم القاعدة «نفضل تجنيد الشباب السعودي على غيره من الجنسيات الأخرى لوجود شباب يملكون وعياً دينياً مميزاً مقروناً بجهل سياسي، وهم مجتمع ميسور وكريم ومتحمس لنصرة الغير». فمن الواجب قيام العلماء والمثقفين بواجبهم في ملء الفراغ الذهني لدى بعض الشباب بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالنفع، وإن من واجب العلماء العاملين احتضان الشباب ومد جسور المحبة بما يقضي على الفجوة القائمة بين كثير من الشباب وبعض العلماء؛ فنرجو أن يترفق علماؤنا الأفاضل بالشباب في إعطائهم التوجيهات، فلا يضيقون من الدين واسعاً، ولا يشددون فيشدد الشباب أكثر مما هو مطلوب منهم، وإنما تيسير التوجيه تحت مظلة الهدي النبوي «يسروا ولا تعسروا» حتى تسير القافلة بأبناء هذا الجيل في طريق ممهد، وتستقيم الخطى على نهج محدد. ومن مقتضيات مسؤولية علمائنا الأفاضل تفنيد الادعاءات الزائفة، وكشف زيف أهل الباطل، وإرشاد الشباب الحائر والأخذ بأيديهم إلى المسلك الحسن والمنهج الوسط، منهج الاعتدال بعيداً عن التسلط والتشدد والغلو في الدين، وبعيداً كذلك عن الانحلال وعدم الاهتمام بالواجبات الدينية، مع صيانة عقول شبابنا من آثار الغزو الفكري المدمر؛ لأن ذلك من أهم الضمانات اللازمة لاستمرار نعمة الأمن والاستقرار التي نعيشها؛ لأن سلاح الغزو الفكري يعتمد على الفكرة والكلمة والرأي والحيلة والنظريات والشبهات والمنطق في الخلاف والعرض البارع وشدة الجدولدادة الخصومة، وتحريف الكلم عن مواضعه، وغير ذلك مما يقوم مقام السيف والصاروخ في أيدي الجندي، والفارق بينهما هو الفارق نفسه بين أساليب الغزو قديماً وحديثاً؛ لأنه من الثابت أن مهمة (الأمن) هي مكافحة الجريمة في طورها المادي أما مسؤولية المؤسسات الدعوية والتربوية والإعلامية فمكافحتها في طورها الفكري.
مع التركيز على مناقشة المسائل العلمية التي تخفى على كثير من الشباب؛ حيث أدى الجهل بها إلى الانحراف والوقوع في براثن الإرهاب ومكوناته عبر وسائل الإعلام وفي المدارس وفي المساجد؛ لأن التيارات والجماعات الإرهابية التي تتبنى منطلقاتها وسياساتها وأعمالها الاعتداء على الناس لها مفاهيم ضلت فيها. فأفكارها ومعتقداتها محصورة، وفي أساسها لا وجود لها في بلادنا، وإنما نبتت في بلاد أخرى، والأمر يتطلب حصراً شاملاً من أهل العلم لجميع شبههم والجواب عنها والرد بأدلة وقواعد مفصلة مقنعة شرعاً، وتزويد كل الجهات وطلبة العلم والخطباء والدعاة بها ليكونوا على بينة منها، وليردوا على تلك الأفكار؛ فالمطلوب حصر للشبه والرد عليها (التكفير- الجهاد وضوابطه- التولي والموالاة- المواثيق الدولية - الحكم بغير ما أنزل الله - الاغتيالات- سفك الدماء - إقامة الحدود والتعزيرات لمن كفر الدولة).
مع توثيق الرد على هؤلاء وعلى شبهاتهم من قِبل القادرين علمياً على الرد، خاصة في خطبة الجمعة التي رغم أهميتها لم تُستغل حتى الآن في مناقشة أمور الشباب وما يهم الوطن، وبعضها يؤخذ لغير مجراه في تهييج مشاعر الشباب وتأليبها كما حدث من قبل في حائل أو جمعة القطيف الأخيرة التي استنكرها بيان وزارة الداخلية؛ حيث ثبت لنا من خلال مراجعات التائبين أن أغلب المغرر بهم كان عن طريق إما (خطيب جائر، فتوى لأنصاف العلماء أو ممن يخالفوننا في المذهب، عن طريق الإنترنت، لوي النصوص الشرعية، هوى في النفس).
وحقيقة، فإن كثيراً من طلبة العلم والدعاة والمعلمين والخطباء لا يحسنون منهج أهل السنة والجماعة واتباع السلف الصالح في هذه المسائل، فإذا طرقت لم يرد عليها بجواب كاف؛ ولهذا تعظم الشبه وتزيد في الشباب؛ فحصرها من أهل العلم والرد عليها؛ لتكون كالمرجع لكل حملة العلم والمدرسين في الجامعات وفي المدارس والمساجد ووسائل الإعلام مهم جداً تحذيراً من انتشار هذا الفكر والرد عليه.
وبالتالي كانت توعية الشباب ضعيفة، ويرجع ذلك إلى أسباب، منها: المجاملات الدينية، المصارحة ضعيفة، والمجاملات قوية. الواجب النصح؛ فالدين النصيحة، كما جاء في الحديث الصحيح «الدين النصيحة» ثلاثاً. قالوا لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين ولعامتهم».
كذلك ظن الكثير أن هذه الاتجاهات الإرهابية ملاحقة داخلياً ودولياً، وهذا سيقضي عليها؛ فلم يكلف نفسه القيام بالواجب، وبعضهم يخشى أن يكون من أعداء الأمة على هؤلاء فيحجم عن البيان وتوعية الشباب لذلك. ويضاف إلى ذلك نقص الشجاعة في بيان الأحكام الشرعية وأداء الأمانة، ولنا في ابن عباس - رضي الله عنهما - قدوة حيث ذهب إلى الخوارج وناقشهم وجادلهم بقوة حجة ورباطة قلب؛ فرجع منهم طائفة إلى الجماعة. كذلك غياب المشروع المتكامل الذي تنفذه الجهات العلمية والتعليمية والدعوية، فيحتج بعض بالمتناقضات في ذلك، فإذا رأى جهداً يصب في التحذير وجد جهة أخرى تسهل، وإذا حاضر بمحاضرة أو كتب كتاباً لم يجد له التشجيع، وكما أن العقوبة سبب لتضييق الدائرة فتشجيع من يقوم بالواجب سبب لكثرة من يقوم به، وتكاتف الجميع ضمن مشروع متكامل للتوعية والإرشاد بحظر هذه الأيديولوجيات السياسية والجهادية المنحرفة التي ضادها أهل العلم بجميع فئاتهم وعلى مختلف بلدانهم كالآتي:
أولاً: تعزيز الجانب العقدي في نفوس الناشئة حتى لا يهتز إيمانهم، ولا تنحرف عقيدتهم؛ ليمكنهم مواجهة التحديات بإيمان راسخ، وعقيدة ثابتة، وقلوب مطمئنة.
ثانياً: تعزيز الوازع الديني في نفوس الناشئة.
ثالثاً: التصدي بحكمة وعقلانية للحملات العنيفة الموجهة ضد الإسلام وثوابته ومعتقداته، ومعالجة الفكر بالفكر وإيضاح الصورة الحسنة للإسلام بشتى الطرق والوسائل من خلال الحوار وعرض الأدلة الشرعية في تحريم الإرهاب بدلاً من بيانات الشجب والاستنكار.
رابعاً: إظهار وسطية الإسلام واعتداله، وتمثل ذلك منهجاً وسلوكاً؛ فكما أن المملكة لها دورها السياسي المحوري المهم فإن لها دورها ومكانتها الدينية الرائدة، ولعلمائها مكانتهم في قلوب جميع أقطار العالم، وذلك ناتج من عقيدتها الإسلامية الخالصة من البدع والأهواء؛ فهي تضم الحرمين الشريفين وقبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وهي المرجعية الدينية للمسلمين قاطبة ولعلمائها الأجلاء المكانة والتقدير عند جميع المسلمين، ونحن شعب فُطرنا على الدين وحب ولاة الأمر، وهو جزء من عقيدتنا، ونُجلّ العلماء، وننصت جيداً لقولهم، ونعمل به لأنهم العلماء الربانيون ورثة الأنبياء والرسل، وطاعتهم من طاعة الله، ولعل ترحيب الجميع بموقفهم إبان الدعوات المغرضة لثورة (حنين) المزعومة الذي دعاء لها أعداء الوطن خير شاهد على مكانة العلماء عند الجميع؛ لذلك فإن المطلوب من جميع العلماء والدعاة الاقتداء بهذه الرموز والمرجعيات والحوزات الدينية عند مناقشة قضايا الشباب الملحة ومراجعة أفكارهم وتنقيتها من الانحرافات الفكرية.
خامساً: أن تكون هناك خطة من قِبل العلماء والدعاة الثقاة، وأن تكون هذه الخطة التي يعدها العلماء والدعاة لمواجهة هذا الانحراف مبنية على احتواء حكيم يعمل على وقاية أبناء المجتمع من هذا السلوك المنحرف، ويعالج من تلوث بهذا الداء؛ وبالتالي تهدم القواعد، وتزال الأرضية المناسبة لبذرة الإرهاب، ويمنع من تكاثر أفراده وتبادل أفكاره بين الناس.
سادساً: نشر رسائل الخليفة عمر بن الخطاب لليهود والنصارى، وكيف ضمن لهم الأمن والأمان لإعادة وترسيخ مبدأ العدل وعدم الظلم.
سابعاً: قيام العلماء والدعاة بوظيفتهم تجاه هذه المشكلة يعد محورًا مهمًا في النهوض والتصدي لهذه الظاهرة وحماية المجتمع من الانهيار بمعاول الفساد التي يحملها المنحرفون الذين يسعون لهدم هيكل المجتمع بوجه عام أو لإحداث شروخ عميقة فيه ليزعزعوا الأمن ويحدثوا الفوضى من خلال مجابهة ومواجهة الفتاوى الشاذة والرد عليها بالدليل العلمي الموصل مع استغلال منبر الجمعة لتوجيه هذه الرسائل التوعوية.
ثامناً: صياغة قصة «الخوارج» بأكثر من أسلوب لأهميتها، ولتكون مانعاً من الوقوع في الفكر المنحرف وما وقع فيه أولئك الخوارج أنفسهم.
تاسعاً:تشجيع المراكز البحثية في المدارس والجامعات ومشاركة العلماء والمشايخ والدعاة فيها لندرة البحوث والدراسات في هذا المجال رغم أهميته ورغم خطورة المشكلة (أزمة فكر تكفيري).
وإننا من هذا المنطلق ندعو جميع المشايخ وطلاب العلم والكتّاب المتمرسين إلى المشاركة معنا في دحض الباطل وقمع الزيف ونشر السنة الصحيحة والنصح والإرشاد للصواب والرد بالحجة والبرهان على ما يُنشر بين الحين والآخر في الشبكة العنكبوتية من كذب وتلبيس. يقول سمو الأمير نايف ولي العهد وزير الداخلية: «أنا أطلب من أهل العلم وطلبة العلم وأئمة المساجد أن يكثروا من الاطلاع على ما تبثه القنوات أو ما تكتبه الصحف من أمور فيها إفساد وفيها تحريض على الأذى والشر؛ حتى يكونوا على علم؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، كما أنني أتمنى من الإخوان وطلبة العلم أن يكون لهم مواقع يردون فيها على ما يحدث من أخطاء وإساءة للدين قبل كل شيء ولهذه الدولة».
وهذا من الجهاد في سبيل الله؛ لأن الدولة تحمي عقيدة الإسلام، وتطبق شريعته، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى الله تعالى، سائلين الله - عز وجل - المنفعة وبلوغ القصد. والله ولي التوفيق.
hdla.m@hotmail.comباحث في الشؤون الأمنية والقضايا الفكرية ومكافحة الإرهاب