في تصريح لمعالي وزير العمل قال «إنه بحاجة لـ10% من وظائف الوافدين لحل مشكلة البطالة بين السعوديين»، هذا الكلام الإنشائي لمعاليه، يقودنا للاعتقاد بأن وزارة العمل تعتقد أنها أمام مشكلة بطالة إستاتيكية (ثابتة) تنهيها بقرارات وزارية، لذا ربما يجدر بنا تذكير معالي الوزير أن هناك ما يقارب من 300 ألف مواطن سيدخل سوق العمل سنوياً، فنحن أمام مشكلة ديناميكية متجددة، وتزداد في التعقيد كل يوم وتحتاج حلولاً ديناميكية فعالة، الرؤية والحلول التي تطرحها وزارة العمل كما نراها تقصر عن متطلبات مواجهة الأزمة من منطلقات إستراتيجية وعملية، ف(نطاقات) لم يساهم حتى الآن بخفض ذي قيمة للبطالة المعلنة، ولم نر إحصائيات تتحدث عن نتائجه، وحافز تحول من برنامج لإعانة العمل لبرنامج توزيع للثروة، والمبادرات التي تكلم عنها معالي الوزير أو معاونوه في الوزارة لم يثبت لها أي دور ملموس، المشكلة تحتاج من يفكر خارج صندوق « القرارات الوزارية».
ذكرت في مقال سابق أن البطالة بين السعوديين مسببة بثلاثة عناصر رئيسة: الأول متعلق بطالب العمل، فمعظم طالبي العمل هم من المستجدين الذين لم يسبق لهم العمل من قبل، لذا تحكمهم خصائص معروفة هي، قلة الخبرة، والبون بين المعرفة والتطبيق، والوجدان تجاه العمل، والعنصر الثاني والمتعلق ببيئة العمل في مؤسسات القطاع الخاص السعودية، حيث يحكمها خصائص منها، قلة الاعتماد على التقنية، الاعتمادية العالية على المهارة والخبرة الفردية، قلة الوظائف المدخلية المخصصة للمستجدين في العمل، والعنصر الثالث متعلق بوزارة العمل نفسها والتي تتميز بضعف الجهاز التنفيذي القادر على تنفيذ إستراتيجية معقدة المدخلات، والاعتماد على السلطة التنفيذية في تمرير القرارات الوزارية، وعدم وجود برامج ذات بعد إستراتيجي يمكن الاطمئنان لها. هذا الثلاثي المؤرق، لازال يعمل ولا يبدو في الأفق أي معالجة واضحة لعناصره، وسيستمر القادمون الجدد لسوق العمل في التراكم وسيستمر الاستقدام على وتيرته المعروفة، وسنجد أن معظم الوظائف الجديدة التي سيخلقها الاقتصاد الوطني ستذهب للأجانب، وستزداد الضغوط على حافز حتى يفقد فاعليته وربما ينقلب لعبء وطني لا فائدة منه، بل ربما يقود لتمظهرات غير حميدة.
في أحد الاجتماعات طرحت رؤيتي لمعالي الوزير، ولكنها لم ترق له؛ لذا استعجلني بإنهاء الحديث، ولم يتصل بعدها أحد بي لنقاش الموضوع، مع أنني سجلت ضمن أحد فرق النقاش التي كان يشرف عليها أحد الاستشاريين الأجانب، ورؤيتي تتحدد بالتالي، العمل على كل عنصر من عناصر البطالة على حدة وبصورة متوازية نوعاً ما، ولكن يجب إعطاء الأولوية للعنصر الثاني، وهو العمل مع القطاع الخاص لإعادة صياغة كثير من الوظائف بحيث يتم زيادة عددية في نسبة الوظائف المدخلية والتي هي في نظري أدنى من المعدلات في الدول المتقدمة ناهيك عن الدول النامية، هناك تجارب لعدد من الدول في هذا الخصوص، نحن نعاني من ظاهرة ستستمر لعدة عقود تماثل أو تفوق ما حدث في ستينيات القرن الماضي في أمريكا المعرفة بظاهرة(Baby Bome)، فلدينا أعداد متكاثرة من الشباب في عمر طلب العمل الجديد والقنوات المتاحة الآن لا تفي بالغرض، والعمل على زيادة إدخال التقنية في الأعمال والوظائف فذلك كفيل بإفقاد العمالة الرخيصة تميزها، لذا يجب أن تعمل وزارة العمل من خلال أجهزة تنفيذية تتعاقد معها لمساعدة مؤسسات وشركات القطاع الخاص في إعادة تصميم كثير من الوظائف وإدخال التقنية في العمل، وهذا يقود لتفعيل العنصر الثالث وهو تمكين الوزارة من القدرات والإمكانات القادرة على تنفيذ الخطط والبرامج التي يجب أن تفكر بوضعها موضع التنفيذ الآن، أما العنصر الأول فهو محور الرؤية التي أطرحها ويتم من خلال مشروع وطني كبير يشترك فيه أكثر من جهة حكومية وخاصة وأهلية لتحريك التغيير اللازم لنقل المجتمع السعودي لمجتمع عمل تنموي، حيث لابد من العمل على بناء شخصية العامل السعودي المسؤول عن ذاته وعن بناء قدراته والمنضبط بمتطلبات العمل السلوكية والأدائية.
هذه الرؤية هي في نظري الوسيلة للسير مع المشكلة المتنامية بصورة متسارعة بحيث يمكن السيطرة على البطالة في غضون سنوات مقبلة.
لم أكن أكثر قلقاً على ما تمثله البطالة المتنامية من معضلة اجتماعية اقتصادية وسياسية مثل ما أنا اليوم، فكل الجهود التي نراها تبذل من قبل وزارة العمل، والتي لا نقلل من الإخلاص في دفعها أو التفكير فيها لا تواجه أطراف المشكلة، وكل يوم نمضيه دون وضع رؤية وإستراتيجية فعالة هو في محصلة المخاطر التي تواجه البلاد، فلعلنا نستوعب ذلك في مراكز القرار.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail