لم أتفاجأ أبداً بأن متسولة في “الرياض” دخلها الشهري أكثر من 90 ألف ريال سعودي، وهذه المعلومة لا أظن أنها مجهولة لدى متخذي القرار أبداً، فالتسول مهنة كل ما تحتاجه مع -عدم- الفقر والحاجة، سوى قلة الحياء وقلة الخوف من الله، هذا كل شيء (أقول مع عدم الحاجة، لا دفعنا الله لها) ذلك أن التسول هو ظاهرة غير صحية مطلقاً في مجتمع مؤسساتي، والرؤية تكمن في أن التسول عبارة عن طلب مال ومساعدة بدون القدرة على التحقق عن مدى استحقاق هذه السيدة أو ذاك الرجل لهذا المال، ناهيك عن أنه يقوّض اليد العاملة ويدفع للكسل والعجز واستدرار عواطف الناس بقلة الحياء وعدم المبالاة! إن كل متسول أو -محتاج- يجب أن يتم إغناؤه من قبل الدولة ومن قبل الجمعيات الخيرية، فلا مبرر للوقوف في الشوارع حتى لو كان هذا لحاجة ولا تخفى علينا مقولة: (الغنى غنى النفس) فكم من محتاج متعفف لأن نفسه غنية بذاته. أما من يقف في الشارع ليتسول فهناك إجراءات لا بد أن تكون صارمة وتتم بتعاون الجميع، إذ يجب أن يُؤخذ ويُحقق معه: هل اتصلت بالجمعيات الخيرية؟ لماذا لا تعمل؟ ما وضعك الأسري والنفسي.. كل هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تطرح، وهذا الأمر بحاجة إلى آلية تتم ضمن فريق عمل كبير، فمكافحة التسول المتواجدة حالياً يبدو أنها أصيبت بحالة من اليأس، كما أن الإجراءات التقليدية الحالية هي نتيجة ضعف الإمكانيات المتاحة لهذا الجهاز، مع أنه جهاز -حكومي- مهم جداً، فلا يكفي التقاط المتسول ثم تسريحه مرة أخرى، لأن الدولة مسؤولة عن هذه الرعية، ومن وصل إلى التسول فهو بلا شك إن كان ذا حاجة، فهو بحاجة إلى علاج نفسي، ومستشفيات الطب النفسي لا زالت لم تحظَ بالمستوى المطلوب لتكون قادرة على علاج أصحاب هذا الخلل، بل إنها غير مؤهلة حتى لعلاج من لديهم أعمق من هذا الخلل! وإن كان المتسول غير سعودي، فلا يجب التهاون مع من ساعده على دخول البلد سواء بشكل نظامي أو غير نظامي، فإن وجد هؤلاء قانوناً صارماً فلن يتجرؤوا بعد ذلك على هذه التصرفات غير الوطنية!
وإن اتجهنا في هذه القضية إلى الجمعيات الخيرية والضمان الاجتماعي ووجدنا لديهم تقصيراً في حق المتسولين -المحتاجين- فمعنى هذا أن لدينا خللا في تركيبة المجتمع الاجتماعية والاقتصادية وقبلهما نمط التفكير، ووجود تجاهل وعدم دعم للطبقة الفقيرة، وهذه إن كانت حقيقة فهي أم الكوارث لأنها مصدر الخلل في أي بلد، فلا أقل من تأمين سكن معقول بالحد الأدنى لذوي الدخل المحدود والفقراء (وهنا لا أتكلم عن السكن الممنوح من الصندوق) وكذلك إتاحة فرص عمل كافية مع التأهيل المهني لبنات وأبناء هذه الأسر، وهذا يُفترض أن يكون ضمن مهام الجمعيات الخيرية، إضافة إلى ما تقوم به من دفع ريالات تسد رمق العيش مع صرف مؤنة وطعام يكفيهم شر سؤال الناس واستعطافهم. بعد هذا كله، يجب إيقاف مسلسل الاستجداء في شوارعنا.. فلا هو صحي، ولا هو منظر طبيعي، ولا يمكن أن تراه في دول مجاورة “فقيرة” فضلا عن دول متقدمة، هذه هي الرؤية التي يجب أن تسود: أن يكف السائل عن السؤال، بل يُمنع من السؤال إن تم تأمين الحد الأدنى للعيش، فبلدنا ليس فقيرا، ولا بد أن يكون لدينا (كأفراد في مجتمع ومؤسسات الدولة أيضاً والجمعيات الخيرية ومؤسسات المجتمع المدني) رؤية واضحة حول هذه الظاهرة التي يجب أن لا تنمو -أكثر- فلا يمكن السيطرة عليها.
www.salmogren.net