إن من فضل الله تعالى ومنته أن أعمال المسلم لا تنقطع بعد موته وخروجه من الدنيا بل هناك أعمالاً تجري حسناتها له بعد وفاته حيث ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم، ولقد شرع الله الوقف وندب إليه وجعله قربه من القرب التي تقرب إليه سبحانه وقد سارع الصحابة والتابعون لهم بإحسان إلى تحبيس الأوقاف في سبيل الله، فقد أصاب عمر رضي الله عنه أرضاً بخيبر فآتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها فقال: يا رسول الله لقد أصبت أرضاً بخيبر لم أصب مالاً هو أنفس عندي منه فقال صلى الله عليه وسلم: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) فتصدق بها في الفقراء وذوي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف رواه مسلم. كما أوقف عثمان بن عفان رضي الله عنه أملاكه بخيبر وسبل بئر رومة لوجه الله تعالى، وكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان وسلف الأمة بهذا فقد أستأثرت الأوقاف في شريعتنا الغراء منزلة رفيعة وتبوأت مكانة عالية وأزكت الكثير من القيم الدينية والروحية والخلقية عبر أوقاف المساجد والمعاهد والجامعات والمشافي والمبرات التي آست الكثير من المكلومين والفقراء والمساكين والأرامل ونحوهم. وفي عصرنا الحاضر عصر الوفرة المالية والطفرة الاقتصادية يجدر برجالات الأمة الذين أوسع الله عليهم من فضله أن يحيوا هذه السنة المباركة سنة الأوقاف الحميدة لتحقيق مقاصدها وأثارها العظيمة على رفاه الأفراد وتنمية المجتمعات وعظيم ذخرها في الحياة وبعد الممات.
وإن مما يذكر ويشكر ما من الله تعالى به علينا في هذه البلاد من اهتمام ولاة أمرنا من لدن موحد هذه البلاد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود غفر الله له إلى هذا العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله بأمر الأوقاف وتشجيعها وعلى رأس هذه الأوقاف ما يشهد به التاريخ من وقف الملك عبدالعزيز رحمه الله على الحرمين الشريفين ووقف الملك عبدالله لوالديه وغيرها من الأوقاف كما سارع رجالات الخير في بلادنا إلى اقتفاء هذه النهج المبارك، حيث نشهد اليوم عملاً مباركاً من الأعمال الوقفية الجليلة للشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي رحمه الله هذا الرجل الصالح الذي سار على نهج السلف الصالح في العناية بالأوقاف فكان قدوة مباركة في وقف الكثير من أملاكه الخاصة على مصارف البر وأنواع القربات شملت الدعوة إلى الله والعناية بتحفيظ كتاب الله وتعليمه والإنفاق على الأيتام والأرامل والفقراء والمنكوبين والمعسرين وبناء المساجد وطباعة الكتب النافعة وإنشاء المدارس الإسلامية وغيرها من المصارف الشرعية جعلها الله في ميزان حسناته.
وفي هذا اليوم المبارك وبحضور كريم من صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز محافظ الخرج يتم افتتاح مشروع وقفي مبارك من مشاريع الخير والعطاء في بلادنا المباركة يهتم بالعناية بالمعاقين وعلاجهم، وأمام هذا العمل الوقفي المبارك وهو إنشاء هذا المركز الطبي والاجتماعي لا نملك إلا الدعاء للموقف الشيخ صالح بن عبدالعزيز الراجحي بالأجر والمثوبة ولصاحب السمو الملكي محافظ الخرج الشكر والتقدير على رعايته واهتمامه لكافة الجهود الخيرية والدعوية والتنموية في محافظة الخرج جزاه الله خيراً، ونرجو الله تعالى أن يحقق هذا الوقف الاجتماعي أهدافه المرجوة ومقاصده الحسنة التي أرادها الموقف في العناية بفئة المعوقين ومساعدتهم. وفق الله الجميع للمسارعة للخيرات إنه خير مسؤول وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأمين العام للمجلس الأعلى للقضاء - عضو مجلس الأمناء في إدارة أوقاف صالح الراجحي