قبل خمس عشرة سنة فقط كانت تهمة الدياثة تلاحق من يركب صحنا لاقطا في منزله ويسمح لأهل بيته بالمشاركة في مشاهدة القنوات الفضائية. اليوم يطرح بكل جدية أحد المكلفين بالبحث عن حلول لبطالة القوى العاملة توظيف المرأة السعودية كعاملة منزلية. حجته لا غبار عليها.. نوع العمل للكسب الشريف لا يعيب الإنسان لكن مذلة الحاجة إلى الناس تعيبه. هذا صحيح، العمل الذي يغني عن مذلة السؤال شرف لكن بشروط. على هذا المجتهد المكلف بالبحث عن حلول لبطالة القوى العاملة أن يجيب على هذه الأسئلة:
1 - ذلك الشريط اللاصق الذي لا غنى عنه لتحرك المرأة، أي المحرم الشرعي الذي حتما سوف يرافق العاملة المنزلية إلى عملها أين سوف ينتظر؟ يعني وين يقعد؟. هل ينتظر في السيارة في الشارع، أم يدخل بيت المخدومين وينتظر في الصالة، وهل يدخل مع تلك التي هو محرم لها إلى غرف النوم والمطابخ والحمامات لكي يختبر خلوها من أحد ذكور المعازيب؟. أم أن هذا النوع من العمالة النسائية لا يحتاج إلى وجود محرم لأنها خادمة مافيها مطمع. الموضوع يحتاج إلى تخريجة فقهية يا ناس فلا تستعجلوا، اركدوا حتى نتأكد من آراء نجوم الشاشات الفضية على الأقمار الصناعية.
2 - هذا الأخ المكلف المجتهد في شؤون القوى العاملة.. هل يوافق على توظيف المرأة السعودية كمدرسة تلاميذ ذكور في تعليم مختلط في المرحلة الابتدائية، أو كشرطية مرور أو بائعة وجبات سريعة تخدم الزبائن من الشباك، وهناك الكثير من الأمثلة للأعمال الشريفة التي تؤديها نساء العالم. على الأقل سوف تكون في مثل هذه الأعمال حاضرة أمام الجمهور في العلن وتحت الأضواء وليست خلف الجدران الأربعة والأبواب المغلقة جاثية على ركبتيها خافضة رأسها تكنس وتمسح إلى آخر الاحتمالات.
3 - هذا الأخ المهموم بمشاكل القوى العاملة، طالما أنه لا يرى مانعا من عمل المرأة السعودية أجيرة في البيوت بدون رقابة شرعية ولا اجتماعية ولا من يحزنون (وهذا مستحيل)، هل يستطيع المجاهرة بإعطاء هذه المرأة ذاتها الحق في قيادة سيارتها الخاصة من بيتها إلى بيوت المعازيب الذين سوف تعمل خادمة منزلية لديهم؟. لم لا؟.. أليست سوف تختفي عن الأنظار بمجرد دخولها إلى العمل، وألم تكن وهي تقود سيارتها في الشارع مستورة وآمنة أكثر وسط الناس ومع الناس وتحت حراسة الرقابة الاجتماعية؟.
4 - هل بالفعل هزلت طموحات هذا المجتمع من رأسه إلى أخمص قدمه وهبطت عنده قيمة أمهاته وزوجاته وبناته بحيث يضيق عليهن في الأعمال الراقية والشريفة والمفتوحة كطبيبة إسعاف أو ممرضة ميدانية في الهلال الأحمر أو مرشدة ودليلة في المكتبات العامة والمتاحف أو معلمة وموظفة إدارية في التعليم المختلط للمراحل الابتدائية أو متاجرة في البيع والشراء في الأسواق العلنية المفتوحة، ثم ورغم كل هذا التضييق على المرأة يصاب المجتمع بتقلصات الطلق والمخاض فيلد فأرة أخرى يضيفها إلى فئران التدريس في القرى النائية لتموت في حوادث الطرق، أو بيع المستلزمات النسائية وطباخات الوجبات الشعبية في البيوت؟.
أقول فقط الشكوى إلى الله من قصور الهمم وهبوط الطموحات الوطنية التي تشل نصف القوى العاملة بحجة المحافظة على نقاء الجوهرة المكنونة وصفاء الدرة المصونة، ثم تضيق حلقات العوز والفقر والحاجة والظلم الاجتماعي عليها فلا يجد لها المخططون لمستقبل وطني مشرق سوى أشد الأعمال امتهانا للنقاء والصفاء والكرامة. نصح أصحاب أبي العلاء المعري للاستشفاء من إحدى علله الكثيرة أن يتناول مرقة الديك فعاتبهم متسائلا نصحتموني بمرقة الديك حين أعجزتكم مرقة الأسد؟ أيها الديك لقد استضعفوك فذبحوك فطبخوك.
هلا تمنينا لنسائنا ريادة الفضاء والطب والهندسة والتعليم والبحث العلمي بدلا من مسح البيوت؟. لقد هزلت يا أمة ضحكت من طموحاتها الأمم.