ماذا يفعل الإنسان إذا مرض؟ يتناول دواءً. هذا المعروف. لكن، ماذا لو كان الدواء لاسعاً ذو رائحة مُنتنة نفّاذة تلازم الإنسان عدة ساعات وربما إلى اليوم التالي؟ هذه هي المشكلة التي يحتار فيها المرء مع أحد أحسن الأدوية التي نعرفها: الثوم!
إن الثوم مستودع كامل من المنافع، ففوائده تؤثر حتى على أشياء بسيطة مثل الزكام، وقد استخدم الناس منذ القِدم هذه النبتة كمطهر للحلق والجهاز التنفسي إذا ما أصيب الشخص بالبرد، وهذا التقليد العريق أَقرَّه الطب الحديث، ففي دراسة نشرتها بي بي سي عام 2007م وجد الباحثون أن تناول الثوم بشكلٍ يومي حتى على هيئة حبوب مستخلصة يقلل من احتمالات إصابة المرء بالبرد، هذا رغم أن الحبوب والمكملات الغذائية هذه ليست مثل النباتات نفسها في المنافع عادة. طبعاً يجدر التنبيه إلى أن فوائد الثوم تكون أفضل ما تكون وهو نيء، فإذا طُبِخ أو جُفِّف فإنه يفقد بعض منافعه أو أكثرها، أما وهو طازج نيء فهو يكتظ بفوائد عظيمة، فغير منافعه للأشياء البسيطة مثل البرد فإنه يعالج الأمراض الخطرة، فقد وجد العلماء أن الدول التي تأكل الثوم أكثر من غيرها نسبة السرطان عندها أقل، كأن يكون الثوم جزءًا من الأطباق الشعبية الشائعة. و قد عُرف عنه أنه معقم فعال، فقد كان يُسمى «البنسلين الروسي» في الحربين العالميتين وكان تُعالَج به جروح الجنود لئلا يصابوا بالغرغرينا والعدوى، وهما حالتان خطرتان قد تسببان الوفاة، واستُخدِم لعلاج الزحار في أفريقيا، والزحار مرض يصيب الأمعاء والمعدة وإذا لم يعالَج فقد يقتل.
ولعل أشهر منافع الثوم هي ما يفعله للقلب والأوعية الدموية، فالثوم يمكن أن يحمي من ارتفاع ضغط الدم وزيادة الكولسترول الضار والتصلب العصيدي، وهذا الأخير مسمى يطلق على مرض تتراكم فيه مواد ضارة على جدران الشرايين وتزداد ضيقاً، وهذه العوامل تزيد احتمالية الإصابة بالجلطة والأزمة القلبية، وهنا يأتي دور الثوم، فمن أسباب اهتمام الطب به هو كونه يزيد سيولة الدم مما يجعله مضاداً للتجلط بإذن الله.
رائحته منفرة، لكن منافعه عظيمة، فهل أنت مستعد للتضحية بحياتك الاجتماعية مقابل هذه المنافع؟ أترك الإجابة لك! لكن إذا رغبت في الاستفادة من تلك الميزة الأخيرة (خاصية تسييل الدم) فإني رأيت أكثر من مصدر طبي يوصون بتناول الأسبرين بشكل يومي، وستتفادى رائحة الثوم النفاذة، وهذا الدواء له تاريخ عريق، ففي عام 1897م اخترعت شركة «باير» الألمانية دواء أسبرين، أشهر دواء في العالم اليوم. لم يكن لهم كامل الفضل في ذلك لأن ثمة تركيبات مشابهة معروفة منذ قديم الزمان، فقد كان القدماء يستخرجون مواد من النباتات تخفف الآلام والحمى، ومنهم الطبيب اليوناني أبقراط الذي عاش بين 460 و 377 قبل الميلاد، والذي ترك بعد وفاته وصفات طبية منها بودرة تُصنع من لحاء شجرة الصفصاف تخفف الأوجاع، وظل البشر يحَسِّنون الوصفات حتى أتى عام 1897م حينما صنعت شركة باير دواء الأسبرين معتمدة على تجارب وخبرات السابقين، ولم تمض سنتان إلا والدواء يُباع حول العالم (وكما هو معروف، استشر طبيباً قبل أن تتناول أي دواء، حتى الأسبرين)، وبينما لا يزال هذا الدواء شهيراً مطلوباً إلى اليوم فإن تاريخه تزامن مع دواء آخر صنعته الشركة عام 1895م ولا يُباع رسمياً اليوم، واسمه العلمي «دياستلمورفين» وسوّقته الشركة كعلاج للسعال، وأتت الفكرة عندما رغبوا في صنع دواء كحة بديل للمورفين الذي ساءت سمعته لما عرفه الناس كمخدر يسبب الإدمان، فأتى هذا البديل، وظل دياستلمورفين في الأسواق إلى أن منعته الحكومة الأمريكية عام 1924م لأنه اتضح أنه يسبب إدماناً شديداً أسوأ حتى من المورفين، فاختفى الدواء من الأسواق، ولمن لم يميز الاسم العلمي «دياستلمورفين» فإن الاسم التجاري لهذا الدواء معروف: هيروين! نعم، الهيروين المعروف لا غيره!
لكن لا تدع هذا يحبطك، فالبشر اليوم يستهلكون أكثر من 40 ألف طن من الأسبرين في السنة، ولا زالت شركة باير قائمة إلى اليوم، وعلى ما قدَّمَته من أدوية نافعة فلا أشك أنها تتمنى أن تدفن ذاك الجزء المخجل من تاريخها!