ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Sunday 15/04/2012/2012 Issue 14444

 14444 الأحد 23 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

حين خرج حسن البنا عام 1928م بدعوته، يطوف الكفور والنجوع، يوقد في ليل الأمة المدلهم شمعة، ويفتح للأمل باباً، لم يكن يطمح إلى رئاسة وقيادة، وإنما كان يسعى إلى إنهاض الأمة من كبوتها؛ لتواجه المستعمر..

وتدع ما تعلقت به من مظاهر التقليد للمستبد الأجنبي، ولتقف متأملة غير منبهرة بما لديه؛ فتأخذ ما تحتاج إليه، وتدع ما هي في غنى عنه. كانت الدعوة الإخوانية في البدء إصلاحية للفرد أولاً ثم للمجموع، وهي بهذا المعنى لا تذهب بعيداً عن دعوات إصلاحية مجايلة في بيئتها؛ حيث شهد مطلع القرن الميلادي الجديد صخباً فكرياً ومعارك بين تياري المحافظة والتقليد؛ فغير بعيد عن البنا بسنوات قليلة أشعل قاسم أمين وقود معركة فكرية نفضت الغبار المتراكم عن قضية المرأة بكتابيه «تحرير المرأة» 1898م و»المرأة الجديدة» 1900م، وأستاذ قاسم الإمام محمد عبده يكتب في مجلة الشيخ محمد رشيد رضا «المنار» مقالات جديدة في مفهوم الإحياء والبعث والتجديد الفقهي، واستنباط معانٍ جديدة في قراءة النص الديني، ومصطفى عبدالرازق يخوض مغامرة جديدة بكتابه «الإسلام وأصول الحكم»، وطه حسين يدخل في معركة حامية مع الأزهر بكتابه «في الشعر الجاهلي» ولجاج استمر طويلاً في قضية الانتحال، والدكتور محمد حسين هيكل العائد لتوه من السوربون يكتب عن «الديمقراطية في الإسلام» بعد روايته الرائدة «زينب» وكتابيه التجديديين «حياة محمد» و»في منزل الوحي»، وغير بعيد عن البنا أيضاً جماعة أنصار السنة المحمدية ذات الاتجاه السلفي ورئيسها حامد الفقي، وبقربه أيضاً جمعية الشبان المسلمين بفكرها الجديد الذي لا يختلف كثيراً عن فكره وتوجهه.

يجد حسن البنا نفسه هنا في مخاض مرحلة فكرية وسياسية جديدة تتشكل، فالخلافة العثمانية سقطت قبل ما يقرب من عقدين، ولم يبق للأتراك أثرٌ يُذكر في الحياة المصرية، ولكن بقي ما خلفته السياسات التركية ومواليهم من سلالة قصر محمد علي باشا من ديون والتزامات ومواثيق مع الإنجليز الذين استلموا مصر كرهينة مالية فأذلوا الشعب، وعاثوا فساداً فيه، وليست حادثة دنشواي 1906م إلا إشارة صغيرة محدودة للاستبداد والجبروت الإنجليزي على الشعب المصري، وربما كانت هذه الحادثة المؤلمة التي دوَّنها أحمد شوقي ربيب القصر وعدو المستعمر بقصيدته الخالدة وقود الثورة المصرية العارمة. في هذه الأجواء الفكرية والسياسية والشد والجذب بين تيارين قويين، أحدهما يدعو للحداثة والارتماء في أحضان الثقافة الأوروبية كما فعل طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، وأحدهما يدعو إلى الأناة في الانتقاء والتمسك بالأصالة كما فعل كثيرون، مثل: مصطفى صادق الرافعي في مقالاته وكتبه، ومصطفى المنفلوطي في مقالاته وقصصه، ومحمد رشيد رضا في المنار، وعباس محمود العقاد في مواقفه النقدية والفكرية رغم بعض الشطحات الغريبة!

كان على البنا أن يبحث عن خيار آخر مختلف وسط هذه المعمعة من التجاذبات العنيفة؛ فرأى أن يقظة الأمة وتقدمها واستعدادها للتحول والتغيير ينبعث من داخلها؛ فعليه أن يربي ويهيئ وينضج ويبني ويعلي البناء ثم يوقد شعل التوهج والتحول من فُرْقة وتخلف واستعمار واستبداد وفساد وشتات مواقف وتراجع عن حمل الرسالة الإسلامية للبشرية إلى أمة قوية معتزة بذاتها قادرة على مزاحمة الحضارات الأخرى؛ فاهتم بالتربية، وجعلها اللبنة الأساس للانطلاق؛ فمن الفرد الواحد يتكون المجموع، وهذا ما أشار إليه في كتابه المنفستو «مذكرات الدعوة والداعية» من خلال سياق سيري تدويني دقيق، لكنه يعرِّف بصورة أدق بمنهجه وقضيته في كتابَيْن آخرَيْن مهمَّيْن، هما: رسالة المنهج، وقضيتنا.

لم يكن حسن البنا في البدء سياسياً، ولا أراد - كما في المنفستو - أن تكون السياسة غايته، على الأقل وكما يبدو في المرحلة الأولى، ولا نعلم عما يخفيه مما لم يتكلم فيه في المراحل التالية لنشأة الجماعة. ومع كل هذا الصدود عن المواجهة السياسية المباشرة لم يدعه التسلط السياسي؛ فقد صدر أمر من النقراشي باشا بحل الجماعة ومصادرة أموالها وإقفال مراكزها وفروعها وإغلاق مجلتها. ليس هذا فحسب؛ بل صدر قرار بتصفيته بمباركة من الملك فاروق فقُتل غدراً في 12 فبراير 1948م.

ولم يكن المؤسس الثاني للجماعة سيد قطب حين قال «إن دماءنا تتحول إلى عرائس» مجانباً الحقيقة؛ فقد زاد عدد الملتفين حول الجماعة، بعد كل حادثة قتل أو اغتيال أو تصفية، فعلى مدى أكثر من ثمانين عاماً قدمت الجماعة وقوداً متدفقاً من رجالها وشبابها في السجون والمعتقلات، بدءاً بحكومة النقراشي باشا في عهد الملك فاروق، ومروراً بصلاح نصر وحمزة بسيوني في عهد جمال عبدالناصر، وانتهاء بحبيب العادلي في عهد حسني مبارك.

تعلمت الجماعة على مدى عمرها الطويل الصعب الكر والفر، وعجنت أريكة الصبر لتقطف الثمرة، وقد جاءتها شهية طازجة بعد عهود مريرة من الإذلال والقهر والمطاردة والسجون والمنافي، والثمرة الناضجة الجاهزة الآن هي موضع تساؤل هذا المقال بعد عرض شيء من سيرة الجماعة: هل جاء دور الإخوان حقاً؟!

قلت في المقال السابق إن من جاء دورهم هم الفرس كما نعتهم أحد الإخوانيين الراديكاليين محمد سرور بن زين العابدين في كتابه (وجاء دور المجوس)، وقلت إن الإخوان وضعوا أنفسهم - تعجلاً للوصول - مطية لذوي المخططات اللئيمة، استعجالاً لقطف الثمرة، ولهاثاً وراء السلطة التي لم تكن غاية البنا من حيث البدء كما بدا في كتاباته؛ ومن أنضج مفهوم الإسلام السياسي كما يقول محمد سعيد العشماوي في كتابه المعنون بالاسم نفسه هو سيد قطب من خلال تفجيره النص الديني وتحميله ما لا يحتمل من حيث المفهوم، وإثقاله بالتأويل الذي يبيح للجماعة - عند أحد أجنحتها - أن تخرج حاملة السلاح ومتصدية لمن يريد أن يظل حكم الجاهلية قائماً! كما ينص على هذه المعاني صراحة في كتابه «معالم في الطريق» وكثير من المواضع في كتابه الآخر الضخم «في ظلال القرآن».

سيخوض الإخوان المسلمون التجربة السياسية؛ فقد جاء الزمن الذي لا بد لهم فيه أن يجربوا كما جرب غيرهم من اشتراكيين وشيوعيين وقوميين وبعثيين وفشلوا، وها هم الآن يشكِّلون هلالاً إخوانياً في المنطقة العربية، بدءاً بالمغرب حيث رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بانكير، وتونس حيث حزب النهضة ورئيسه راشد الغنوشي، وتركيا حيث العدالة والحرية ورئيسه رجب طيب أردوغان تلميذ نجم الدين أربكان مؤسس حزب الرفاه، ومصر حيث حزب الحرية والعدالة الناطق باسم جماعة الإخوان المسلمين، والداخل الآن في المنافسة على حُكْم مصر!

والمتوقع أن ينجح الإخوان، وأن يصلوا للسلطة بأي مرشح كان؛ فالجماهير ملَّت حُكْم العسكر الديكتاتوري، وأخفقت الأيديولوجيات الأخرى؛ فلم يبق إلا أن يحكم الإسلاميون، لكن هل سيرعون وينقلبون على من رهنوا أنفسهم لهم غرباً أو شرقاً أم سيمالئون ذوي الأطماع الذين اتخذوهم مطية إلى أن يحققوا غرضهم منهم ثم يدعونهم يتهاوون إلى أن تلفظهم الجماهير؟!

ksa-7007@hotmail.com
 

وجاء دور الإخوان!! 2ـ2
د.محمد عبدالله العوين

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة