حينما تدلهم الخطوب، تتباين الشعوب، ينضج على سطح أزمة الحدث ما غار من معادن الناس واختفى إبان الرخاء، ثمة أناس تنكشف معادنهم من نحاس وصدأ نشارة الحديد وأناس تصنع معادنهم من ذهب وبلور الماس نقي وكلما افتتن نصع ولمع.
هكذا فتنت نار الأزمات المجتمع السعودي، فمع كل حدث صعب وأزمة مدلهمة تنصع معادن الناس وتلمع أصولهم ولا يعني ذلك خلو مجتمعنا من الرعاع والهمل ودهماء الناس، فنحن لسنا ملائكيين في طبائعنا، بل بشر من خلق الله تعالى، لنا في الصواب سهم وفينا من الزلل والخطأ، ولكن مع تقلبات أحداث القدر وتغير خط الزمان بأعنة الأيام تتشكل صورة المجتمع السعودي وتتبلور على لحمة الترابط والتكاتف ضد الانشقاق والتفكك.
فمع كثرة تتابع الخطوب تترى يقيض الله تعالى للشعب السعودي أمر رشد يلحم وحدتهم في دوحة الوحدة التفافاً حول قيادتهم بصورة أذهلت العالم من حولنا فأصبح ديدن المحن مع الشعب السعودي كاشفاً لمدى قوة ترابط المجتمع بوطنه والتفافه حول قيادته بصورة جعلت الجميع يتساءل ما هي أسباب هذه الوشيجة القوية من اللحمة بين القيادة والشعب رغم كل ما يتخلل المجتمع السعودي من أزمات ورغم كل الحجارة التي رجمت بها مسيرة الشعب السعودي لإنزاله في ساحة الخلاف والفرقة والتنازع والشتات واستدراجهم إلى خطوب منازل الوهن والضعف وساحة الغضب الجماهيري ضد قيادتهم ورموز الوطن إلا أن الدفة تدير ذاتها نحو الإعجاب المطلق بهذا الشعب لمواقفهم المترادفة والمثيرة للعجب والإعجاب في طرق رتقهم لرقعة الخلاف وجمعهم لأشتات الأطراف المتنازعة وتأديبهم لمن يريد تقسيم الوطن لمواقع متناحرة أول ما تغتال الأمن وتواري جثمانه في ثرى الفوضى والخوف. لذا فالشعب السعودي صارم في مبدأ حفظ أمن الوطن بطريقة توهن أساس الفرقة وتقوض أركان صراعها وتضيق دائرة الجدل حولها حتى لا تجعل لذوي النفوس الضعيفة ملاذاً تطرح من خلاله ما في جعبتها من ضغائن تريد أن تجعل من الوطن ساحة لتصفية الحسابات الذاتية (على مبدأ قتلة سيدنا عثمان بن عفان ثلاث لله وتسعة لما في نفسي عليك).
وهكذا فقد تأكد للعالم أجمع أن الشعب السعودي تبرز مدى وشائج لحمتهم مع قيادتهم عند كل أزمة فلحمة الدين ثم استقرار الوطن أقوى لديهم من لحمة العرق والنسب.
ولم يعد سراً يخفى على أحد رغبة كثير من الأعداء تجزئة أوطاننا العربية وشرذمة قواها وإعادة صياغة خطوط الحدود بينها من جديد وذلك بعدما استبانت قوة تمسكها بعقيدتها الإسلامية ورغبتها بتوحيد صفوفها تحت اسم الدين واللحمة العربية.
وحينما يضرب القلب في مقتل تموت باقي أجزاء الجسد وضرب المملكة بفتن متلاحقة وأزمات متتالية لم يكن من عبث الشيطان فقط، وإنما له خططه المدروسة والتي عليها يقوض بناء هيكل الأمة الإسلامية برمتها وتقف هذه الخطط ومن ورائها بعجز رغم كل المحاولات أمام بطولة الشعب السعودي وصموده في وجه الفتنة، ففطنة أبناء الصحراء والساحل والجبل تتلاحم مع رشد القيادة لهذا الأمر الجلل تلاحم تلتف فيه اليد باليد ويلتصق به الكتف بالكتف حول عمود خيمة أمن الوطن ليضرب أروع صور التلاحم بين شعب وقيادته.
فأصبح الشعب السعودي واضحاً وضوح الصبح في قوته لرتق ما يخرق غيره، وهذه القوة مصدرها الاعتقاد التام بأن اللحمة مع ولاة الأمر دين وعقيدة لا محيص من التبعية لها ولا مناص عن السمع والطاعة فيها ما دام ولاة الأمر قائمين بشرع الله تعالى وعلى حدود حماية الإسلام مرابطين وفي خدمة الدين بالسعي مواصلين.
فالولاء لولاة الأمر والتبعية لهم بالسمع والطاعة ليس بخنوع وذلة وانكسار، بل هو شرع عقائدي من صلب الدين الإسلامي وعبادة وتقوى يتقرب بها لله تعالى، فكلما زاد دين المرء وتقواه زاد ترابطه بولاة الأمر ومناصحتهم في طاعة الله تعالى وحبل السمع والطاعة الذي يتمسك به المجتمع السعودي مع ولاة الأمر نابع من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} والخوف من الخروج على ولاة الأمر هو خوف من الخروج من الدين لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة الجاهلية) وفي رواية مسلم كذلك (من مات وهو مفارق للجماعة فإنه يموت ميتة الجاهلية)، وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية).
وفي شرح العلامة ابن عثيمين لهذا الحديث قول وهو: (إذا الحكومة نظمت شيئاً لا يخالف الشرع ولكن لم يأت به الشرع كأمر صريح بعينه فيأتي بعض الناس فيقول لا نطيع في هذا فيقال بل يجب عليك أن تطيع فإن عصيت فإنك آثم مستحق للعقوبة، ومن ذلك مثلاً أنظمة المرور هي ليست من أمر الشرع بل هي مما نظمه ولي الأمر وليس فيها معصية فإذا خالفها الإنسان فهو عاص وآثم كالعبور إذا كانت الإشارة المرورية حمراء وما أشبه ذلك يجب أن ينفذ وجوباً لأن خلافه قد يولد الفوضى وهكذا في كل الأنظمة التي لا تخالف الشرع فإنه يجب طاعة ولاة الأمر فيها وإلا المسألة فوضى وكل إنسان له رأي وكل إنسان يحكم بما يريد وأصبح ولاة الأمر لا قيمة لهم بل هم أمراء بلا أمر) انتهى قوله رحمه الله تعالى.
ومن هذا المنطلق نشأت لحمة الشعب السعودية مع قيادته الرشيدة بالسمع والطاعة استجابة لأمر الله تعالى والولاء للدين وحماية أمن الوطن عبادة يتقرب بها الشعب السعودي لربه سبحانه وتعالى ولا سيما إذا كانت القيادة تدير أمور الوطن بروية وحكمة تستضيء على أنوارها رواكب الإنجاز لهم مسيرة وضاءة بشرف العطاءات الشامخة في خدمة الدين والوطن لا تستطيع يد شر مهما انبسطت في قوة النفوذ أن تلغي نور شمسهم في إدارة الأحداث، وتصريفهم لمدلهمات الأخطار، وتوحيدهم لصفوف الناس ولم نزاعاتهم، فمحاسن إنجازاتهم على وجنتي الواقع وضاءة نضرة شامخة للأرض قاطبة بينة أمام كل عين ثاقبة.
فكل عاقل منصف يعرف حق القيادة السعودية في حماية الدين وخدمة المجتمع الإسلامي برمته وتوطينهم للأمن في بلاد الحرمين وسعيهم على توفير الرخاء في بلادهم وبلاد العرب والمسلمين عامة فهم يعون ثقل الأمانة الملقاة على عواتقهم.
فما أن تآزر مدلهمات الأخطار للقيادة السعودية إلا وتحجم قيادتنا من حدوثها وتضيق من دائرة اتساعها تقف بقوة على مشارف الإصلاح والصلاح وتلزم أطراف الخلاف بحجة الصواب بدون إضافة في الإطناب بالذات وتعريض مدائح النفس ونشر حسناتها.
ونحن اليوم في المملكة العربية السعودية نعيش بين سنديان الحاسد المتمني زوال النعم عنا ومطرقة العدو الذي يريد تجزئتنا إلى فرق متناحرة فتذهب ريحنا فيسهل عليهم السيطرة علينا والعبث بالدين والعرض والثروات، وذلك من خلال بث النزاعات الفكرية والعقائدية والقبلية وحين تكثر هذه النزاعات والخلافات تنشق لحمة الترابط فيتخبط المتخبطون في الأمن والدين والعرض وحينها نفشل فلا تقوم لنا قائمة كما أخبرنا الله تعالى في هذه الحالة إذ قال عز وجل: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وللشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى شرح بديع لهذه الآية وهو (نهى الله تعالى المؤمنين عن التنازع مبيناً أنه سبب الفشل وذهاب القوة ونهى عن الفرقة، (تذهب ريحكم) أي قوتكم وهيبتكم وقال بعض العلماء أي نصركم كما تقول العرب الريح لفلان إذا كان غالباً ومنه قول العرب:
إذا هبت ريحك فاغتنمها
فإن لكل عاصفة سكون
ووقوع التنازع هو سبب الفشل وذهاب الريح والهيبة والتمكين وهو أكبر سبب لتسلط الأعداء وفي المقابل فإن أهم أسباب النصر هو الاجتماع والالتفاف والتكاتف ووحدة الصف، وحاصل القول في هذه الآية الكريمة إن الاختلاف والتنازع عاقبته الفشل والخسران وإن التعاون الوفاق سبب الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة). والمتأمل لتاريخ الأمم والطوائف والشعوب لا يعجزه أن يقف على العديد من الأحداث والشواهد والمشاهد على كافة المستويات والعصور والأزمنة تصدق ما أخبر به القرآن الكريم.
بل الحياة العامة من حولنا تعطينا كل يوم شاهداً على أثر الفرقة بين الأفراد على مجموعتهم وتقويض قوتهم وشتاتها.
وقد أحسن القائل إذ قال:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا أفراداً
تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسراً
وإذا افترقن تكسرت أحاداً
وكل أقوال علماء المسلمين على مر التاريخ تنص على أن النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية تحرم كل ما يؤدي إلى الفرقة والتنازع والشتات.
وهذا الشرع الرباني نعمة حبا الله بها المجتمع السعودي فنعمة التلاحم بين القيادة السعودية حفظها الله وبين الشعب السعودي الذي أمده الله ببصيرة الرشد هي نعمة تطفو على سطح كل النعم وتندرج تحت قائمة نعم الإله التي لا تعد ولا تحصى حبانا الله تعالى بها وحسدنا عليها الشيطان فما من نعمة ينعم بها الله تعالى على إنسان إلا وتقيض لها الشياطين عدواً حاسداً أو مبغضاً غامزاً أو مغتاظاً هامزاً يعض من غيظه على شفتي كيده يتتبع الأخطاء لينشرها ويرى الحسنات الشامخة فيدفنها.
وكذلك حظينا بقيادة دأبها بطلان حجة الفساد بالإنجاز ترتقي نحو علياء مكارم الأخلاق بفضائل الإعراض عن الجاهلين وسفاسف دهماء الكائدين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فما ضرت كلمة لم تجد لها أذناً صاغية ولساناً مجادلاً وعقلاً منجذباً، فإذا كانت فتنة الحسد ريحاً فقد لقيت قيادة رشيدة حكيمة حلمها إعصار مدمر لكل هوى فاسد يبث الفرقة ولا يجمع.
وإذا حركت حبائل الكيد كوامن استفزاز قيادتنا السعودية فكأنما حركت المسك فتيقاً بحلمها على من جهل عليها فقد وهبت قيادتنا المتمثلة في شخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود بصيرة بعد الفكر الثاقب وفهم أبصر من جذام الزرقاء بما قد يفعله الشيطان عند ساحة النزال مع الجدل والخلاف.
فما تتبع الشيطان قوة إلا أوهنها بالجدل وما استطاع أن يقيض أركان أمة إلا مع الفرقة والخلاف فأصبح ديدن قيادتنا الرشيدة توحيد الصف واللحمة مع الشعب ولم الشمل وسد الفرج وعذر المخطئ والتجاوز عن المسيء والحلم على الجاهل والوقوف في وجه العدو بإنجازات التطور التي تلجم فاه وتطلق لعينه فصاحة بيان الإبصار دون المساس بأصول الدين وقيم العقيدة فلا تزال القيادة السعودية بحكمتها الراشدة على ثغر قوي من ثغور الإسلام رغم كل الضعف والوهن الذي يحيط بالأمة الإسلامية وتأبى القيادة السعودية أن ينال الدين من دونها أو أن تمس حرمات العقيدة من حيث هي واقفة فدأبها خدمة الدين وهدفها إحياء علوم الإسلام السمحة ونشر وسطية الحنيفية.
ولها رسالة شرف تعمل على نشرها ألا وهي خدمة الضعيف ونصرة المظلوم وقري الضيف وإكرامه ونشر ثقافة السلام في الأرض قاطبة.
وللقيادة السعودية مهام تضطلع بأداء دور الريادة فيها ألا وهي خدمة الحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن على مدار الساعة ويشهد الحرمان الشريفان في عهد الملك عبدالله حفظه الله أكبر توسعة لهما منذ إنشائهما على الأرض وما يرافق ذلك في خدمات جبارة لتسهيل الحج والعمرة على ضيوف الرحمن.
ولا تزال قيادتنا الرشيدة قائمة على أمن قيمنا وأعراضنا وأرواحنا بحكم شرع الله تعالى. ومع انفراط عقد الفتن من حولنا واندلاع نار الفرقة والثورات واختلال حابل الناقم بنابل المنتقم أشعل الشيطان نار تأكل الغث والسمين وتصل حممها نحونا فيحمينا الله تعالى منها بوشيجة التلاحم بين القيادة والشعب فكل طرف حري على الارتباط بهذه اللحمة أكثر من الآخر فالشعب السعودي يعي أن مقاليد السياسة وصروف القيادة لها مع خادم الحرمين الشريفين ميثاق متين تأوي إليه الأمة عضيداً وسنداً وركناً رشيداً. والقيادة السعودية من جهة أخرى تعلم أن الشعب السعودي هو واجهة القوة والصمود في وجه أعداء الدين والوطن فلقد ضرب الشعب السعودي مع القيادة أروع مثل في الترابط والتلاحم يحرص الأعداء على دفنه وطمس معالم قوة بروزه ويأبى الله إلا وأن يظهره عن كل أزمة تجتاحنا.
فأدام الله تعالى علينا هذه النعمة ولا حرمنا من وحدة الصف وقوة التلاحم تحت ظل قيادتنا الرشيدة وسدد الله تعالى خطاها نحو ما فيه نفع الأمة ووحدة صفها.
والسلام عليكم.
- مدير عام الدفاع المدني