عندما يصل الجدل إلى قلب الحقائق، وتصدير القراءة الخاطئة، وتحطيم النجاحات، والبحث والتصيد بهدف التجريح الشخصي، والنيل من مؤسسات رائدة، ونجاحات عالمية باسم المملكة العربية السعودية.. الآن وبعد قراءة مقالات سابقة لزميلين عزيزين (د. حمزة المزيني و د. محمد القنيبط)
اقتنعت -أكثر من أي يوم آخر- أن الجدل يجب أن يتوقف، وأن حملة إيضاح الحقائق يجب أن تستريح، لأن أطرافاً وأقلاماً تقطر بحبر التزييف المتعمد، والترسيب المقصود تظل وتظل وستظل تكتب، وتستمر في الكتابة إلى أن تسقط الجامعات وتعود كما كانت في سالف العصر الماضي..
أعلن اليوم أنني سأحترم رأي القارئ الفاضل الذي كتب لي “أليس هناك شيء مفيد أفضل من هذا تكتب عنه.. ماذا استفدت (هو) من قال وقلت، وفهم وفهمت”.. أعلن اليوم بعد مقالات الدكتور المزيني التي تجرف بما لا تعرف أنني سأتوقف عن هذا الجدل البيزنطي، “الممل” بالنسبة لي ولكن “المثير” بالنسبة له.. سأتوقف لأن قلب الحقائق هو نهج مثل تلك المقالات.. فعندما تكون المقولات التي يقتبسها الدكتور المزيني تشير إلى جانب إيجابي واضح كالشمس، ولكنه يعتسف الحقائق، ويضعها في سياقات غير مكانتها، ويعطيها ويضخ فيها كلاماً غير مقصود بتاتاً، ويتقول على الكاتب بتفسيرات في غير مكانها.. عندما نصل إلى مستوى التشكيك في وجود الشمس أمامنا، فلن يكون هناك جدوى من الاستمرار في مثل هذا الظلام..
ومع هذا الإعلان عن توقفي عن مثل هذه المهاترات التي لم أكن أتخيل الوصول لها أبداً، سأساعد الزميلين الفاضلين الدكتور المزيني والدكتور القنيبط بأن أكتب رسالة مفتوحة لمدير جامعة الملك سعود، سأساعدهما على تحقيق مبتغاهما من مثل هذه المقالات، عله يستجيب لها، وعله يرضي أهداف الزميلين الكريمين:
رسالة لمدير جامعة الملك سعود..
معالي مدير الجامعة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعلم عن الجدل الذي يدور بين أقلام صحافية منذ سنوات يستهدف إيقاف الجامعة وإعادتها إلى الوراء إلى ما قبل السنوات الماضية، ورغبة في خدمة الزميلين العزيزين فأقترح أن تصدر قراراتك الفورية التالية:
1 - الإعلان الفوري عن إيقاف مشروع أوقاف الجامعة، فكما هو ظاهر أن الزميلين لديهما تحفظ على مثل هذا المشروع، أو أنه لم يمر عليهما من خلال متابعتهما الدقيقة لأحوال الجامعة. فهذا المشروع رغم أهميته الكبيرة على مستوى الجامعات العالمية، فلم يظهر أبداً في اهتمامهما خلال كل كتاباتهما عن الجامعة. فالأفضل حتى يمكن أن نرضي مثل هذه الأقلام أن يتوقف مشروع الأوقاف إلى الأبد، ولتبحث الجامعة عن طريقة لإعطاء هذه المباني الشاهقة التي توشك على الانتهاء إلى جهات أخرى تستفيد منها، ففكر الأوقاف المترسخ في الجامعات العالمية ليس مناسباً لنا، فالصرف على البحث العلمي لم يعد مطلباً وطنياً.. ويجب أن تعتذر الجامعة لرجال الأعمال العمودي والراجحي وبن لادن والرشيد وبقشان وصالح كامل وغيرهم على إهدار أموالهم في مثل هذا المشروع.
2 - الإعلان الفوري عن إيقاف الكراسي البحثية التي وصلت إلى أكثر من مائة كرسي، والاعتذار لشركة أرامكو وسابك والزامل ورجال أعمال وشركات ومؤسسات، وصحف لأنه من الأفضل كما نستنتج من مثل هذه الأقلام أن نوقفها إلى الأبد، فقد كانت خطأ فادحاً ارتكبته الجامعة في السنوات الماضية.. أما مئات البحوث التي أنتجتها هذه الكراسي ومراكز التميز في الجامعة، فيجب أن تجمع ورقياً مع منافذها الإلكترونية وتدفن في مكان ما لا يعرفه أحد.
3 - التعاون والشراكات مع جامعات عالمية وباحثين دوليين يجب أن يتوقف كذلك إلى الأبد، فقد كان من الخطأ الفادح كما نقرأه من تلك الأقلام أن نتعاون مع خبراء عالميين، ومؤسسات بحثية دولية وأساتذة دوليين لهم شأنهم وخبراتهم العالمية.. نعم يجب أن نرسل لهم خطابات اعتذار لإيقاف مثل هذا التعاون.. فلماذا نتعاون مع هؤلاء.. ولماذا نستفيد من خبراتهم ومعارفهم وتجاربهم في بحوثنا وهمومنا وقضايانا ومشاكلنا؟.. يجب أن يتعاون هؤلاء مع جامعات أخرى في سنغافورة أو الصين أو الهند، لكن معنا: لا وألف لا..
4 - حصول الجامعة وبعض الكليات والأقسام على الاعتماد الأكاديمي كان خطأ فادحاً ارتكبته الجامعة كما أستشف من مثل هذه المقالات، ولهذا يجب فوراً الكتابة إلى جهات الاعتماد الأكاديمي لسحب هذه الاعتمادات التي حصلت عليها هذه الكليات والأقسام فوراً، والتأكيد عليهم أننا سنكون خارج منظومة الاعتماد الأكاديمي التي تسعى لها الجامعات والكليات والأقسام في جميع دول العالم. ولربما من المفيد أن نقدم النصيحة للجامعات العربية والخليجية على وجه التحديد التي بدأت تسعى إلى الاعتماد أن تتوقف عن مثل هذه الجهود، فهي غير ذات جدوى ولا تصب في مصلحة الجامعات أو المؤسسات التعليمية في بلدانها.. كما يجب أن تغلق وزارة التعليم العالي الهيئة الوطنية للتقييم والاعتماد الأكاديمي فقد ارتكبت الوزارة خطأ فادحاً بتأسيس مثل هذه الهيئة..
5 - يجب الإعلان الفوري عن إيقاف شركة وادي الرياض للتقنية والاعتذار لمقام مجلس الوزراء على أنه وافق على تأسيس مثل هذه الشركة، فقد ارتكب خطأ فادحاً، لأنه لم يدرك الأبعاد المهمة التي كانت تسعى إلى تكريسها مثل هذه المقالات.. ويجب أن نعتذر لشركة سابك التي تستثمر حالياً أكثر من ستمائة مليون ريال في تأسيس مصنع لها مبني على بعض براءات الاختراع لأساتذة وطلاب من الجامعة. ويجب أن تقفل سابك هذا المشروع وتبحث عن مكان آخر له في الهند أو الصين لتأسيس مثل هذا المصنع.. ومثل سابك باقي الشركات الوطنية التي كانت تسعى إلى تأسيس مصانع وتطبيقات لأبحاث الجامعة وتحويلها إلى منتجات على أرض الواقع.. هذا “السلكون فالي” على أرض المملكة شبيه بغيره من الدول التي تحتضنه جامعات أو مؤسسات يجب أن ننتشل وطننا منه، فهو خطأ كبير اقترفناه في السنوات الماضية..
6 - وفي موضوع وادي الرياض للتقنية يجب أن توقف الجامعة مشروع سيارة غزال، المشروع الاقتصادي الكبير، فلا داعي أن نؤسس لدينا مثل هذا النوع من الصناعات.. فإيران لديها تصنيع محلي لسيارات تزيد على المليون سيارة سنوياً.. ولكن نحن يجب ألا ندخل إلى هذا العالم المخيف من الصناعات.. ولا يجب حتى أن نفكر في مثل هذا التوجه.. ومن المعروف أن صناعة السيارات لم تنشأ في أي بلد جديد على صناعة السيارات بصناعة مائة بالمائة، فمثلاً كوريا وماليزيا بدأت بصناعات تجميعية إلى أن انتقلت بعد عشرات السنين إلى صناعة كاملة مائة بالمائة.. ونحن في المملكة يجب ألا ننخرط في مثل هذا التفكير.. أما براءات الاختراع التي حققها مشروع هذه السيارة للجامعة والمسجل عالمياً فيجب أن نقذف بها إلى البحر ولا نلتفت إليها، أو نقدمها هدايا إلى دول أخرى تستفيد منها.. فلماذا هذا الصداع الكبير الذي استحضرته السيارة مع مشروعها، لاسيما أن الثقة معدومة في مثل هذا المشروع من قبل بعض هذه الأقلام التي تسعى إلى مصلحة الوطن والصناعة الوطنية.. فبدون مشروع غزال نحن بخير والحمد لله..
7 - أما عن الطلاب، فيجب أن نسحب منهم الروح الوثابة التي ضختها الجامعة في نفوسهم وأعطتهم الحماس وهيأت لهم البيئة التحفيزية التي جعلتهم يتسابقون مع زملاء وزميلات آخرين في جامعات عالمية ويحققون الفوز بعد الفوز والنجاح بعد النجاح.. يجب أن نوقف مثل هذه الوثبة الكبيرة والنقلة النوعية التي أحدثتها الجامعة في ذهنيات ونفوس الطلاب والطالبات خلال السنوات الماضية.. فيكفينا أن يأتي الطالب الساعة الثامنة صباحاً ويخرج الحادية عشرة أو الواحدة ظهراً ويؤدي واجباته وتكليفاته بشكل اعتيادي دون إضافة أو تحفيز أو تفكير ناقد.. مثل هذه المقالات تريد أن يستعيد الطالب سمفونية الثانويات العامة التي أنتجناها فيما مضى من سنوات.. فهذا التغيير الذي أحدثته الجامعة في عقول الطلاب والطالبات يجب أن يتوقف..
8 - الكليات والأقسام يجب أن تعلن عن إيقاف معاملها ومختبراتها التي استحدثتها في السنوات الماضية، فقد كانت عبارة عن أخطاء لم يكن من المفترض أن نجتهد فيها.. فلماذا هذه المعامل والمختبرات، بينما يمكن أن نخرج الطلاب دونها، ولماذا الارتهان إلى نظرية سوق العمل مادمنا يمكن نعيش مع طلابنا في فصول عادية خالية من التقنية والمهارات التدريسية؟
9 - البحوث يجب أن نعاقب كل أستاذ من جامعة الملك سعود ينشر بحوثه في دوريات ISI لأنا سنخشى أن مثل هذا النشر ربما يساعد الجامعة على زيادة تصنيفها بين الجامعة العالمية، ولدينا هدف كما تشير إليه هذه المقالات هو خروج الجامعات السعودية من قوائم التصنيف العالمي..
10 - أما الندوات العلمية وورش العمل فيجب أن تتوقف، ونحتاج إلى مؤتمر أو ندوة مرة كل عامين وهذا يكفي، لأنه لن يكون هناك داعٍ لمثل هذه المؤتمرات والندوات التي انتشرت في الجامعة خلال السنوات الماضية، ولماذا نأتي بباحثين عالميين وخبراء دوليين إلى جامعتنا.. من أجل ماذا؟ أمور ليست مهمة أن تكون جامعة الملك سعود في قلب الحدث العلمي.. ونكتفي بحلقات نقاش داخلية في الأقسام وبدون دعوات لأي خبرات دولية..
أنا أضمن مائة بالمائة أن مثل هذه الأقلام وهذه الأصوات ستتوقف عندما تكون قد شرعت في إيقاف مثل هذه المشروعات، وبعد أن نكون قد عدنا إلى الوراء، ونكون قد أوقفنا عجلة التطوير والنمو في جامعتنا.. ومن الميزات الكبيرة التي سنجنيها من مثل هذه القرارات أننا سنعود كما كنا سابقاً في التصنيفات العالمية فوق الثلاثة آلاف أو ربما السبعة آلاف.. وهذا كما يبدو أصبح مطلباً وطنياً مهماً وملحاً، كما تشير إليه هذه الأقلام التي يهمها خدمة الوطن ومؤسسات الوطن..
كما أن من أهم الميزات التي ستحصل عليها الجامعة هي توقف مثل هذه الكتابات الناقدة لها، بل إنني أضمن أن مثل هذه المقالات ستتحول إلى إعجاب وتقدير لجهود الجامعة في خدمة المجتمع ودعمكم الكبير للحركة التصحيحية التي ستكونون قد قمتم بها..
ودمتم مديراً ناجحاً ما دام مقياس النجاح هو أن تسعوا وراء هذه المقالات التي تحاول أن تصحح مسار الجامعة..
أخيراً..
هذا ملخص فهمي وقراءتي لمغزى مثل هذه المقالات وهدفها البعيد، وكما سبق أن ذكرت فإن جامعة الملك سعود لو لم تنخرط في مثل هذه المشروعات التطويرية لما وجدت أي مقال ينتقدها، ولكن هذا الحراك أدى إلى مثل هذه المقالات التي ترى أنها تعكس عن وطنية وأهداف موضوعية.. وهذا يذكرني بما قاله نائب رئيس جامعة سنغافورة أن الجامعة قد تعرضت لنقد إعلامي على خطواته قبل أكثر من عشر سنوات لأنها أطلقت مشروعاتها التطويرية وأسست لشراكات عالمية.. ولو رضخت جامعة سنغافورة لمثل هذا النقد لما سارت إلى ما سارت عليه: جامعة عالمية، وشريك في مشروع التنمية الوطني لدولة سنغافورة.. فمن يسأل الآن عن تلك الأصوات أو تلك الأقلام؟
هذا هو نصف الكأس الممتلئ الذي تحاول هذه المقالات أن تفرغه من محتواه، فإذا أفرغنا هذا الكأس من الماء الذي فيه فسيظل فارغاً إلى الأبد.. وإفراغ الكأس أصبح هدفاً وطنياً مأمولاً فيه حسب هذا النوع من المقالات.. فلنحاول أن نسكت هذه الأقلام بإفراغ الكأس من محتواه.. ولنحاول أن نوقف التطوير حتى ترضى عليك وعلينا الأقلام والأصوات..!!!
أما قلمي فقد كتبت به آخر كلمة في هذا الجدل العقيم..
وبالله التوفيق..
alkarni@ksu.edu.saرئيس الجمعية السعودية للإعلام والاتصال
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية بجامعة الملك سعود