حين وقــــف الطالــب حمزة إبراهيـــم على خشبة مســرح الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة يتلو قصيدتــه العصماء في حفل تدشين فعاليات المؤتمر الدولي “ اللغة العربية ومواكبة العصر”بدا لي و لأول وهلة أنني أمام شاعرعربي مبدع من بقايا زمن أبي الطيب المتنبي. لم أعرف أنه طالب أعجمي اللسان ومن دولة أفريقية مسلمة هي نيجيريا إلا حين أفصح عن جنسيته عند نهاية إلقاء القصيدة العربية الجميلة. مثل الطالب حمزة كثيرون في الجامعة الإسلامية، ومن مختلف دول العالم الإسلامي يتلقون تعليمهم، ولديهم من الإبداعات ما ينتظر الفرص. صنع هذه النماذج المميزة كان خلفه عمل علمي كبير فلا يمكن تحويل ألسنة ألفت لغاتها ولهجاتها إلى اللغة العربية وبتلك الطلاقة إلا بجهد ومثابرة، ثم كيف بصناعة شاعر عربي فصيح من لسان غير عربي؟ إنها المفارقة التي استوقفتني لأتأملها محاولا الربط بين تلك الظاهرة الفريدة ومن كان وراء صنعها، ومدى تأثير الحراك الجديد فيما يحدث.
في السنوات الأخيرة تبدل العمل في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة إلى حالة متواصلة من الحراك نقلها من حالات السكون والبيات في دوائر النسيان إلى تظاهرات من الفعاليات العلمية والاجتماعية حولتها لتكون مقصدا للمئات من العلماء والباحثين من الداخل والخارج ومن مختلف الأطياف الفكرية ترحب بهم الجامعة دون رفض أو إقصاء أو مصادرة رأي، إذ يظل الرأي قابلا للمناقشة والأخذ والرد ثم القبول أو الرفض وفق المعايير العلمية الرصينة المشتقة من منابع الدين الإسلامي الصافية، وتقدم الجامعة بقيادة محنكة وحكيمة من معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور محمد العقلا نموذجا فريدا في الانفتاح على قضايا ومشكلات المجتمع المحلي والإسلامي استشعارا من مسئوليها لأهمية دورها في خدمة تلك المجتمعات بوصفها جامعة لا تعنى فقط بالشأن الداخلي وإنما تمتد اهتماماتها نحو ما تعانيه كل المجتمعات المسلمة المنتشرة في أصقاع الأرض، وتأخذ هذه القضايا حيزا من تفكير واهتمام القائمين على شئون الجامعة لتبلور إلى مبادرات حظيت بالتنفيذ المباشر، وحين تستعرض تلك الفعاليات والنشاطات تجد نفسك أمام قائمة مكتظة بالمحاضرات والندوات والمؤتمرات تنوعت موضوعاتها في مسارات كثيرة أهمها في المواطنة والقضاء والتعليم وحقوق الإنسان والوسطية وحل المشكلات والتجارب الذاتية والفقهاء ومتطلبات العصر, وأبرز ما يتصدر القائمة المؤتمر العالمي الأول لجهود المملكة في خدمة القضايا الإسلامية، والمؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، وختمت نهاية الأسبوع الماضي نشاطاتها المميزة في مجال الانفتاح على المجتمعات بتنظيم المؤتمر الدولي الأول “اللغة العربية ومواكبة العصر”، وجاء مستوى المشاركة فيه فوق المتوقع بمشاركة ستة وستين باحثاً من ثلاثين دولة وبحضور لافت غير مسبوق ضاقت بهم قاعات المؤتمر على مدى يومين وأثمر عن توصيات رصينة أبرزها دعوة حكومات الدول العربية كافة إلى تفعيل ما تنص عليه أنظمتها من أن اللغة العربية هي لغة الدولة وما يقتضيه التفعيل من إلزام الجهات والمؤسسات الحكومية غير الحكومية باعتمادها اللغة العربية لغة رئيسية في مراسلاتها وعقودها ووثائقها وتعاملاتها باعتبارها عنوانا للهوية إذ يحتاج إلى قرار سياسي داعم”.
والجامعة وحسب ما دونت في خططها ماضية في إقامة المزيد من المؤتمرات والفعاليات ما يؤكد النهج القويم والوسطي المعتدل في طرح ومعالجة المشكلات برؤية معاصرة تستمد أسسها من مبادئ الدين الإسلامي وصناعة الجيل الإسلامي بلسان عربي مبين.
shlash2010@hotmail.comتويتر abdulrahman_15