جعل الله شريعة الإسلام شريعة عالمية عادلة تحقق المصالح للعباد وتنشر الرحمة والإحسان يهتدي الناس بهديها ويستضيئون بنورها، ولا يمكن لأحد أن يأتي بشيء في الدنيا بمثل ما جاء به الإسلام من شرائع العدل والإحسان والرفق والرحمة بالإنسان، وكل أحكام شريعة الإسلام ترقى إلى غاية واحدة هي إصلاح الإنسان ليكون عبداً مخلصاً لله قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}.
ومن القضايا المهمة التي اهتم بها الإسلام وأولاها عناية فائقة وأكَّد عليها بنصوص ثابتة حماية المرأة وبيان حقوقها وإبراز مكانتها في المجتمع فهذا القرآن العظيم يعتني بالمرأة أيما اعتناء ويبيّن مكانتها في الحياة ولقد بلغت تلك المكانة مداها وغايتها حين جاءت تسمية بعض سور القرآن باسم المرأة كسورة مريم، وخصص في القرآن قدر كبير من الآيات للحديث عن أحوال النساء في أمورهن الخاصة والعامة كما جاء في سورة البقرة وسورة النساء وسورة الطلاق وسورة المجادلة وغيرهن.
وجاء في القرآن أيضاً ذكر بعض الأحوال الخاصة لبعض النساء، فيها إبراز لدور المرأة في تأسيس المجتمع وإصلاحه ومن ذلك ما أخبر الله به عن نشأة مريم ودورها في خدمة بيت المقدس ومواجهتها الصعاب وانتصارها على الحروب النفسية التي تعرضت لها بالصبر والتحمّل كما في سورة آل عمران، وبيّن الله تعالى المهمة التي قامت بها امرأة فرعون آسية بنت مزاحم في نصح زوجها الطاغية فرعون ودورها البارز في الدعوة إلى الله وفي القيم الرفيعة، وفي القرآن أيضاً خبر عن حقيقة العمل المضني الذي قامت به ابنتا شعيب كما في سورة القصص.
وفي السنة المطهرة بيان عن عدد كبير من النساء الفضليات اللاتي كان لهن رأى سديد ومؤثّر في بناء وتأسيس المجتمع المسلم فأم المؤمنين الأولى خديجة رضي الله عنها ناصرت وآزرت الإسلام ووقفت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة موقف العز والشرف والتأييد وفي السنة أيضاً بيان للدور الكبير الذي قامت به أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية وما قدمته من مشورة صالحة، وكذلك الجهد الكبير الذي قامت به عائشة رضي الله عنها في نقل كثير من الأحكام الشرعية وهكذا يقال في سائر أمهات المؤمنين والنساء في عصر الصحابة.
تلك هي شريعة الإسلام التي حفظت للمرأة حقوقها وخصوصيتها وصانت لها كرامتها ومكانتها، حيث أعطاها الإسلام حقوقاً ومكانة لم تحصل عليها من قبل وراعى ضعفها البدني بالنسبة للرجل فأراحها من التكاليف المادية وأوجب على أبيها الإنفاق عليها وتأديبها ما دامت في حجره قبل أن تتزوج فإذا تزوجت انتقل كل ما لها من حقوق إلى زوجها، فإذا خلت من الزوج ولها أولاد مكتسبون وجبت الحقوق على أولادها ووصايا القرآن والسنة في بر الأمهات أكثر من أن تحصر.
ومن تكريم الإسلام للمرأة أن أعطاها حق التصرف في مالها وحق التملّك من دون أن يجعل للزوج عليها من سبيل، وأحاطها بالقلوب الرحيمة المتنوعة النوازع، المتلونة العواطف ابتداء من قلب الأب وما يحمل من حنان، إلى قلب الزوج وما يحمل من حب ومودة، إلى قلب الولد وما يحمل من بر ورحمة فهي لا تزال تنتقل من حضن كرامة وبر إلى أن تفارق الدنيا، وبين المهد واللحد تتبوأ المراتب الكاملة في دائرة الإنسانية، فأي حقوق أعظم من هذه الحقوق؟
والمرأة في المملكة العربية السعودية تتمتع بكامل حقوقها الأدبية والمادية وتقوم بأداء وظيفتها التعبدية من الستر والعفاف والحياء والحجاب ومن الأعمال التي تناسبها في ظل الضوابط الشرعية، وتستمد حقها وكرامتها من منطلق شرعي ثابت حدده الله تعالى في كتابه وبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في سننه فالإسلام حمى المرأة بالإعزاز والتكريم، نرى هذه الحقوق وهذه المعاملة ظاهرة في بلادنا، وأن الإسلام قد أحاطها بأحكام قطعية وحماها بتشريع حكيم عادل، وفي هذا رد ودحض لتلك الشبه التي يثيرها الحاقدون من شذاذ العصر ودعاة السفور والتبرج.
* وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية