إهداء
إلى ناصر الجاسم ذلك المعزول في دهاليز الماء.
من ثقب باب بيته الخشبي نظر إلى السكة, لم يرَ أحدًا, تنفس الصعداء مسندًا رأسه إلى الباب, فاستنشق غباره وعطس.
الآن يستطيع أن يخرج إلى الشارع دون خوف من عين تطارده, لكن “زكرتي” الحارة صدمه بقامته الفارعة, إذ كان وقتها يطارد فتاته منذ أن ربط أبوها الحجر على بطنه ورفضه, لكنها تأمل أن يصر على التقدم إليها, لينتشلها من فقر إلى فقر ربما أخف منه, فهو بحق فارس الأحلام الذي تحلم به رفيقاتها, ويكفي أنه يريدها بالحلال, فلن تمانع رغم ما تعرفه عنه من حب للنسوان.
ألقى التحية عليه وسار دون أن يلتفت إلى ذلك الطفل الذي من بيته يلحق وهمًا, ابتسم في نفسه موقنا أن اليوم سيكون مخصصا للمطاردات, أحيانا يشعر بأن كل الناس تطارده, فقد حان موعد سداد إيجار الخرابة التي يسكنها والتي يطلق عليها مجازًا بيت, ولا ينس تقلّص وجه صاحبها وهو يهدده بتركها, فيستمهله حتى يقبض ثمن محصول التمر.
رجل يعدو خلف ابنه ليعيده إلى حلقة الدرس.
لما أطل على السوق لا حظ رجال الهيئة يطاردون الناس والباعة بالعصي فهبت الباعة إلى إغلاق حوانيتها والتوجه إلى مسجد الصلاة قريب معروف بصلاة أمامه الخفيفة مراعاة لأهل السوق.
إمام المسجد يتحدث إلى امرأة حسبها متسولة لكن كانت تشتكي هروب زوجها منها في نشوز مقلوب. تذكر أباه عند ما طلق أمه وكيف بقيت مشكلتهما سنوات في المحاكم حتى من الله عليها بالموت فدفنت القضية معها.
خرج من المسجد وشاهد البرسيم يكسو السوق بلونه الأخضر, يتخلله الرطب والفاكهة..
عادت الحياة إلى السوق من جديد, واشتعل الضجيج فيه وكثرت الحركة المساومات. في غمرة الزحام لاحظ حمار يغازل أتاناً ويتفلت من صاحبه ليصل إليها, فلمعت من جديد خيزرانة صاحبه على ظهره وعنقه, فكف عن المطاردة وفي نفسه لوعة لن تكسرها كل عصي الدنيا.
ليوم إذن هو يوم المطاردات, وهاهو صاحب الدار يراه من بعد فيخالفه الطريق ويتملص منه عائدًا من حيث أتى, فلاحظ الطفل لا يزال يعدو في الحارة حتى سقط على وجهه, وقد أمسك بعصفور صغير, أدخله معه في القفص وحلّقا إلى كوكب قريب.
المنامة
1433هـ - 2012م