صراع الإرادات... ومستقبل السياسة الدولية يشير إلى أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين قادمٌ وبقوة لإعادة الهيبة والاعتبار لروسيا وقوتها العسكرية... ويبدو أن نهاية السبات التي عاشتها روسيا بعد الحرب الباردة.. والسقوط الدرامي للاتحاد السوفيتي وتفككه إلى مجموعة من الدول قد أزفت؛
فالقيادة السياسية الروسية بدأت تسعى لبناء سياسة براغماتية بتوجهات وتطلعات إستراتيجية بعيدة كل البعد عن الحجج الأيديولوجية التي ميزت تحركَها الدبلوماسي والسياسي إلى وقتٍ قريب.
الواقع يشير بأن تطلعات روسيا وتوجهاتِها أصبحت تسير وفق خطٍ وهيكلٍ استراتيجي جديد يعتمد على المبررات السياسية والاقتصادية لتحقيق مصالحها وإعادة تعزيز وجودها في الساحة الدولية؛ مما يتيح لها فرص التوغل وبسط النفوذ لاسيما في منطقة الشرق الأوسط.. ولعل الدور الروسي الذي برز مؤخراً في أروقة الأمم المتحدة تجاه النظام السوري كان بمثابة نقطة التحول في جوهر سياسة موسكو الخارجية وتعاطيها مع الأزمات الدولية الراهنة... هذا إلى جانب الحضور البارز والقوي للصين وصعودها كقوة عالمية منافسة بعد أن كانت منكفِئة ضمن حدودٍ محدودة.
إن ظهور الإرهاصات الأولية لرفض سياسة الهيمنة الأحادية رافقه عراكٌ سياسيٌ وأيدلوجيٌ بارد فيما بين هذه الأقطاب داخل أروقة الأمم المتحدة، وذلك بسبب الأزمة السورية.. عراكُ يعود بالذاكرة إلى الحرب الباردة وحالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت بين المعسكرين الأمريكي من جهة والروسي من جهةٍ أخرى قبل فترة التسعينيات.
عودة روسيا إلى الساحة الدولية وبروز الصين سيؤدي إلى تعاظم الدور السياسي والعسكري لهاتين الدولتين على مستوى النظام الدولي.. كما أن أوراق الضغط التي تلوحان بها بشأن القضايا الدولية والإقليمية.. قد تثير المخاوف والقلق الأمريكي خشية عودة نشاط الواقع السياسي والإستراتيجي لهاتين الدولتين.. ناهيك عن جملة المواقف الروسية من الأحداث الجارية في سوريا وكأن ذلك إشارة ضمنية لنهاية عصر الأحادية القطبية التي دانت السيطرة فيه على النظام الدولي لقطب أوحد هو أمريكا.. حيث برزت في قمة الهرم العالمي كقوة عظمى بعد الحرب الباردة، وبالتالي سعت في توسيع هيمنتها الأحادية في العالم معتمدة في ذلك على تفوقها العسكري والذي لم تتمكن أي قوة حتى الآن من مجاراته أو موازاته.. بالإضافة إلى محاولاتها الحثيثة والجادة لفرض توجهاتها على النظام العالمي باتباع نمطين سياسيين متناقضين هما الترغيب والترهيب. ولأن مؤشراتِ وملامحَ التعددية القطبية باتت تتشكل بوضوح.. ولأن الحديث يدور حول ولادةِ نظامٍ دولي يسير في اتجاه التعددية القطبية ما يعني بداية تقهقر التفرد والتوحد الأمريكي الذي سيطر استراتيجياً وسياسياً على محيط العلاقات الدولية.
وفي ظل نظام دولي لم تتضح معالمُه بعد... وتحت وطأة انقساماتٍ متباينة إزاء العديد من القضايا الدولية وعلى رأسها الأزمة السورية... تشهد منطقة الشرق الأوسط تنافساً حاداً بين الإستراتيجيات الدولية والتي ربما لن تستثني استخدام القوة العسكرية ضد هذه الدولة أو تلك تحقيقاً لمصالحها ومنعاً لأطراف أخرى من تحقيق أي تقدمٍ سياسي أو اقتصادي في المنطقة، وفي إطار زعزعة الأمن في المنطقة العربية إضافة إلى فشل الجامعة العربية في معالجة الأزمات العربية الكبرى خاصة الأزمة السورية التي أفرزت الفاعلية الإستراتيجية الروسية حتى بدت الأزمة وكأنها أزمة روسية لا سورية كون المصالح هي التي تحرك السياسة أصبحت المنطقة ملعباً سياسياً مفتوحاً لصراع وتنافس الكتل الدولية.
لم يعد هناك موضعٌ للجدل... فصعود الاقتصاد الصيني وتنامي الدور الروسي من جهة... والأزمة الاقتصادية التي عصفت بأمريكا ودول الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة تنبئ بانحسار النظام الدولي الذي كان سائداً خلال العقدين الماضيين، لكن ماذا عن الدور القيادي الأمريكي؟ هل سيضعف أمام تعافي الدور الروسي وتنامي الدور الصيني ولن يتمكن من صياغة وتقرير السياسة الأممية؟ أم أنه سيكون ضمن نظامٍ متعدد الأقطاب ولكن برؤية سياسية مغايرة؟ وهل سيكون هناك صراع للإرادات وتوازنات القوى السياسية والعسكرية تدفع الأقطاب المتصارعة للالتفاف حول طاولة مستديرة محاطة بمقاعد مخملية داخل قاعات سرية لوضع قوانين اللعب السياسية والإستراتيجية على المسرح الدولي بشكل عام ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص..؟