عندما فتحت حملة السكينة لتعزيز الوسطية للباحثين، والدارسين الأكاديميين المتقدمين؛ للحصول على درجات علمية في الدراسات العليا، فإن ذلك النجاح يعتبر مصدرا علميا موثوقا، يستحق الدراسة، والعناية؛ للإفادة منها في الأبحاث الأكاديمية المحكّمة في جامعات المملكة؛ من أجل معرفة، وإدراك خارطة المتطرفين الفكرية، والنفسية، والاجتماعية. ومعرفة مفاتيح العلاج النافعة، والمؤثرة.
هذا الكم الهائل من التجربة الفريدة، وبجميع موادها الحوارية، جاء على مدار “ عشر سنوات “ منذ انطلاق الحملة، تحت إشراف معالي وزير الشؤون الإسلامية، والأوقاف، والدعوة، والإرشاد- الشيخ- صالح آل الشيخ. حيث احتفظت بأرشيف شامل؛ لإنتاج الجماعات المتطرفة،- سواء- كان الإنتاج مقروءا، أو مسموعا، أو حتى مرئيا،- إضافة- إلى مساهمة موقع السكينة الإلكتروني- عبر الشبكة العنكبوتية العالمية-، بتوفير مادة فكرية، وعلمية، ومكتبة إلكترونية للإنتاج الفكري، والعلمي الإيجابي، المواجه لتيارات، وأفكار الغلو، والتطرف.
الشباب من أكثر الفئات العمرية تأثرا بالتغيرات الفكرية، وهم في الغالب لا يستطيعون استيعاب التغيرات السريعة التي تدور من حولهم، أو يمرون بها بشكل صحيح. وهو ما قد يعكس سلبا على سلوك بعضهم منهم، وعلى تصرفاتهم.- ولذا- فإن الاهتمام بهذه الفئة العمرية، واستثمار طاقاتهم، وتفعيل دورهم في المجتمع، مطلب مهم. ولن يتأتى ذلك إلا بإجراء البحوث، والدراسات، والاستبيانات، والقياسات حول القضايا المتعلقة بهم،- سواء- كانت اجتماعية، أو نفسية، أو سلوكية،- إضافة- إلى ضرورة وضع المقترحات، والدراسات؛ للارتقاء بمستواهم، وعلاج ما يعترضهم من مشكلات.
حسنا، إذا كان الأمر كذلك، فإن الرسم البياني لظاهرة الإرهاب، يستدعي رصدها بطريقة علمية، وإعداد الإجراءات الملائمة؛ لتكون جزءاً من منظومة سياسية، وعقائدية، وسلوكية. ويكون ذلك بإعداد الخدمات البحثية،- ومثلها- الخدمات العلمية، وإجراء البحوث، والدراسات ذات الصلة؛ من أجل رصد الفكر الإرهابي المنطلق من الواقع. وهو ما شكّل إثراءً لتجربة حملة السكينة، عندما سعت إلى تحصين المجتمع ضد الفكر المنحرف،- من خلال- بذلها جهدا إستراتيجيا جماعيا ذا أهداف، وخطط، وآليات مدروسة، يقوم على مواجهة الفكر المتطرف، ونشر الفكر المعتدل، والوقوف سدا منيعا أمام هذه الظاهرة الظلامية.
ولا يكون الإنجاز مشهودا إلا حينما يصنع من القدرات البسيطة وسائل مثلى، وإمكانيات عالية. وهذا ما سلكته حملة السكينة لتعزيز الوسطية في احترافية المعالجة، عن طريق الثورة التكنولوجية الهائلة، التي خلفت- مع الأسف- ملاذا فضائيا آمنا للفكر الضال. فالوسائل الأمنية التقليدية بمفردها، لا يمكن أن تقوم بمواجهة التطرف، والإرهاب، ما لم تسندها وسائل أخرى، أقرب ما تكون إلى المواجهة الفكرية.
drsasq@gmail.com