توماس فريدمان *
هناك الكثير مما يحدث في الشرق الأوسط اليوم، ومن المستحيل أن تحصيه كله برأي واحد، لذا سأقدم هنا رأيين بسعر واحد فقط!
الرأي الأول: أوردت صحيفة (هاآرتس) العبرية مؤخرا أن الزعيم الفلسطيني المسجون لديها مروان البرغوثي «أطلق عبارة غير عادية من زنزانته، فقد دعا الفلسطينيين إلى بدء انتفاضة شعبية ضد إسرائيل لوقف المفاوضات والتنسيق الأمني ولمقاطعة تل أبيب، أي أن يقوم شعبه باتخاذ أسلوب المعارضة السلمية». وتشير هاآرتس إلى أن البرغوثي هو «القائد الأكثر إخلاصاً الذي أفرزته حركة فتح، ويستطيع أن يقود شعبه إلى اتفاقية، فإذا ما أرادت إسرائيل اتفاقية مع الفلسطينيين فيمكنها أن تطلق سراحه من السجن الآن».
لقد عرفت البرغوثي قبل أن يحكم عليه بالسجن مدى الحياة خمس مرات بسبب تورطه في قتل إسرائيليين، ودعوته للمقاومة السلمية مثيرة للاهتمام وهي الأخيرة في سلسلة المناشدات للفلسطينيين، التي تأتي من كل الأنحاء، لاستدعاء نسختهم من «الصحوة العربية»، ولكن بفعل ذلك بطريقة سلمية، باعتصامات مدنية أو مقاطعة إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية أو المنتجات الإسرائيلية.
أستطيع أن أرى فاعلية المقاومة السلمية من الفلسطينيين للاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة، بشرط واحد: أن يصاحبوا أي مقاطعة أو اعتصام أو إضراب عن الطعام بخريطة مفصلة عن تسوية الحل النهائي للدولتين التي يرغبون فيها، لكن فقط الدعوة إلى «إنهاء الاحتلال» فإن ذلك لن يجدي.
الفلسطينيون بحاجة إلى مصاحبة أي مقاطعة أو إضراب عن الطعام أو أي حجارة يلقونها على إسرائيل بخريطة تفصل بوضوح كيف ستقبل إسرائيل بصورة سلمية أن تعيد 95% من الضفة الغربية وكل الأحياء العربية في شرق القدس وتقايض الخمسة في المائة الأخرى من الأراضي داخل حدود ما قبل 1967. مثل تلك الاتفاقية يمكن أن تسمح لـ 75% من المستوطنين اليهود أن يظلوا في الضفة الغربية في الوقت الذي لا يزالون فيه يعطون الفلسطينيين 100% من أرضهم ثانية.
مع دخول الفلسطينيين في حالة عصيان مدني سلمي في الضفة الغربية من جهة، وحملهم خريطة معقولة لحل دولتين من جهة أخرى، فإنهم بذلك يتبنون الاستراتيجية الوحيدة التي يمكن أن تنهي الاحتلال الإسرائيلي: جعل إسرائيل تشعر أخلاقيا أنها غير آمنة ولكنها استراتيجياً آمنة. إن «القانون الحديدي» لعملية السلام هو أن الطرف الذي يجعل الغالبية الصامتة من الإسرائيليين تشعر بأنها غير آمنة أخلاقياً بشأن الاحتلال ولكن آمنة استراتيجياً في إسرائيل هو الذي يكسب. بعدما ذهب السادات إلى القدس، علم الإسرائيليون أنه لا توجد ذريعة أخلاقية لكي يستمروا في احتلال سيناء، واستراتيجياً لم يشعروا بأنهم بحاجة إليها بعد الآن. الانتفاضة الأولى، التي ركزت على إلقاء الحجارة، أوصلت الفلسطينيين إلى أوسلو. والانتفاضة الثانية، التي ركزت على التفجيرات (الاستشهادية) في المطاعم في تل أبيب، أوصلتهم إلى جدار يدور حول الضفة الغربية. فالإسرائيليون شعروا بأنهم غير آمنين استراتيجياً بصورة كبيرة وآمنين بصورة أخلاقية عندما يحبسون كل الفلسطينيين في سجن كبير. واليوم لا شيء يجعل الإسرائيليين يشعرون بأنهم غير آمنين استراتيجياً وآمنين أخلاقياً من صواريخ حماس على إسرائيل من غزة، على الرغم من أن إسرائيل انسحبت منها بصورة أحادية.
ولكن العصيان المدني الفلسطيني في الضفة الغربية، الذي يصاحبه خريطة تفصل صفقة يمكن أن يقبلها معظم الإسرائيليون، هي بالتحديد ما يمكن أن يجعل الإسرائيليين يشعرون بأنهم غير آمنين أخلاقياً ولكن آمنين استراتيجياً ويعيدون إحياء معسكر السلام الإسرائيلي. إنها الاستراتيجية الفلسطينية الوحيدة التي يخشاها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فهو يظن أنها ليست في ثقافتهم، فهل سيفاجئونه؟
الرأي الثاني: واحدة من أكثر المسلمات الزائفة بشأن الشرق الأوسط اليوم هي أن الصحوة العربية، ولأنها لم تركز على القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، لم تثبت سوى أن ذلك الصراع ليس بتلك الأهمية. البعض يقول ان التركيز يجب أن يكون على إيران طوال الوقت. ولكن الحقيقة هي أن الصحوة العربية جعلت الوصول إلى اتفاقية سلام إسرائيلية - فلسطينية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، لسببين، الأول: أنه أصبح من الواضح أن الديكتاتوريات العربية استبدلت بأحزاب إسلامية. وفي مصر بصورة خاصة، أصبح من الواضح بالفعل أن القضية الأهم في الانتخابات ستكون اتفاقية السلام مع إسرائيل. وفي ذلك السياق إذا ما اندلع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي مرة ثانية في الضفة الغربية، فلن يكون هناك جدار ناري ـ وهو الدور الذي لعبه الرئيس السابق حسني مبارك ـ لوقف ألسنة اللهب من أن تشتعل بصورة مباشرة في الشوارع المصرية.
كما أنه مع صعود الإسلاميين في تونس وليبيا ومصر وسورية فإن الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم حوافز أكبر من أي وقت مضى بأن ينشئوا نموذجاً بديلاً في الضفة الغربية -مثل سنغافورة - لإظهار أنهم - معاً - يستطيعان إخراج الدولة الفلسطينية إلى النور، حيث يستطيع فيها المسلمون والمسيحيون، رجالاً ونساءً، أن يعيشون في ظل نظام ديمقراطي بسوق مفتوحة بعلمانية تحترم الدين، بجوار الدولة اليهودية. هذا هو نوع القيادة الفلسطينية التي يمكن لإسرائيل أن تعقد معها شراكة.
من ضمن الأسباب التي جعلت العالم العربي في حالة ركود بينما انتعشت الدول الآسيوية هي أن العرب لم يكن لديهم نموذج جيد يتبعونه، مثل النموذج الذي اتبعته تايوان في محاكاتها لليابان أو هونج كونج.
(نيويورك تايمز) الأمريكية