لم يكن الروائي الألماني النوبلي غونتر غراس باحث شهرة، ولم يسعَ إلى لفت الأنظار، حينما كتب قصيدته التي أدان فيها إسرائيل بتهديد السلام العالمي، ولم يكن صاحب «طبل الصفيح» يريد لفت انتباه العرب حينما وقف بشكل إنساني لافت بجانب الكاتب اليمني وجدي الأهدل الذي هرب قبل سنوات من اليمن بعد تهديدات قبلية بقتله، وطالب الرئيس اليمني السابق بإعادة الكاتب وحمايته، ولم تكن المسيرات التي قاربت السبعين مسيرة في ألمانيا، تناصر الكاتب في موقفه بشكل شخصي، فلم يكن هؤلاء مريدين له، يسيّرهم كما يشاء، بل خرج هؤلاء بوعي، ونتيجة تجارب مريرة، نتيجة الحروب والإخلال بالسلام العالمي، فمن ضمن مطالباتهم سحب أي قوات ألمانية من كافة مناطق النزاعات في العالم.
فليس من صالح أحد على هذا الكوكب أن تدق طبول الحرب، ولا مستفيد من قيام حرب في أي مكان في العالم، إلا تجار الحروب، فهم الذين يبنون ثرواتهم فوق جثث القتلى، ولم تكن تحذيرات غراس المبكرة إلا نتيجة لقلق الفنان الذي يستشعر الخطر ويتنبأ به، ولم يكن جديداً أن يؤكّد أن هناك دولة تمتلك منذ سنوات ترسانة نووية تتطور يوماً بعد يوم مع أنها تبقى سرية، ومن دون أن تخضع للتفتيش، كما لم يكن جديداً أن يتعرّض إلى هجمة شرسة تنكر عليه حقه في حرية التعبير، لكن الجديد هو أن تصل هذه الضغوط عليه، وهذا الحصار أن يجعله يهادن بقوله: إنه لو كان عليه أن يعيد كتابة القصيدة لتفادى التوجه إلى إسرائيل، واستهدف حكومة بنيامين نتانياهو التي يقصدها!
هل تورط غونتر غراس، وكانت الحملة التي استهدفته أكبر مما توقّع؟ هل شعر بالأسى أن كتب قصيدته «ما يجب أن يُقال»؟ أم أن هذه المسيرات في أنحاء ألمانيا، التي رفعت لافتات «غونتر غراس معه حق» و»شكراً غونتر غراس» كانت منصفة لموقف غراس الإنساني والنبيل؟ وماذا على الكتَّاب العرب وغير العرب، أن يتخذوه في هذه الحالة؟ أليس هدف الحفاظ على سلام هذا الكوكب الجميل يستحق منا الكثير؟ وحين أقول يستحق منا، فأنا أقصد أي إنسان يتنفس هواء هذا الكوكب، ويشعر بالأمان والطمأنينة.
كم كان جميلاً لو نظّمت حملات مناصرة لغونتر غراس، سواء عبر المواقع الإلكترونية أو غيرها، ألن يصل صوت الناس حينما ينظّمون هاش تاق في موقع تويتر مثلاً، وباللغة الإنجليزية، ليس لمناصرة غراس فحسب، بل الوقوف ضد التسلح النووي، سواء في إسرائيل أو إيران أو غيرهما، فهي - في نظري- قضية مهمة يشترك فيها معظم سكان الكرة الأرضية، حتى في إسرائيل وإيران، هناك نسب عالية من سكانهما من هم ضد التسلح النووي، ضد الترسانات النووية أينما كانت، ففي الوقت الذي يذهب فيه العالم إلى التخلص من السلاح النووي، نجد هناك في دول الشرق الأوسط من يسعى حثيثاً إلى الحصول على هذا السلاح وتطويره، بطريقة تثير القلق، لأن هذه الدول، أو غيرها، حينما تمتلك أسلحة إبادة، ستجعل العالم قلقاً إلى الأبد.
فهل هناك من يبادر بإنشاء حساب هاش تاق بعنوان: شكراً غونتر غراس، أو توقفوا عن التسلح، أو ما شابه ذلك؟