قرأت ذات مرة لقاءً صحفياً مع أحد أطباء القلب العرب، وكان من الأسئلة سؤال عن أشق أو أغرب موقف صار له، وذكر موقفاً مخيفاً حصل، فيقول: إنه في يوم من الأيام كان ينوي الذهاب للبيت بعد انتهاء عمله، وأوصى أحد الممرضين أن يشحن جهازاً معيناً -أعتقد أنه جهاز الصدمة الكهربائية- حتى يكون جاهزاً لو احتاجوه في اليوم التالي، وفي اليوم القادم في أول دقائق الدوام وإذا بمريض يُهرَع به إلى عيادة الطبيب وذلك لمشكلة قلبية طارئة أصابته، فهبَّ الطبيب إلى الجهاز ووضعه على صدر المريض لينشط قلبه ولكنه وجده خامداً تماماً لا طاقة ولا كهرباء فيه، واكتشف أن الممرض نسي أن يشحن الجهاز كما طلب منه الطبيب! موقف عصيب، لكن هذه المواقف التي تُظهر المعادن، فلم يرتبك الطبيب ويقف حائراً مضطرباً، بل استجمع ما لديه من شجاعة وخبرة وأخذ يضرب صدر المريض بيديه ويطبّق كل ما تعلمه من معرفة طبية خاصة بهذه الحالات إلى أن تعافى المريض وزال الخطر ولله الحمد، وأعتقد أن الطبيب أنزَلَ مصيبة بالممرض المهمل، وحُقَّ له!
هذا اللقاء ظل في ذهني فترة طويلة، وطرأ في بالي كثيراً كلما رأيت تصويراً للأزمات القلبية على شاشة التلفاز أو في قصص الخيال، وهذا لا شك أنه من المشاهد الشائعة في الأفلام إلخ وهو عندما نرى شخصاً في المستشفى محاطاً بالطبيب والممرضين وقد أوصلوا الإي كي جي (جهاز المراقبة) بقلبه ويظهر فيه الخط ذو الارتفاعات وصوت الزمير المتتابع، وهما الإشارتان اللتان تفيدان أن قلبه ينبض، ثم يتوقف القلب ويتحول الخط إلى مستقيم أفقي ويصير صوت الزمير ثابتاً، فينقلب الجو مشحوناً عصيباً ويقفز الطبيب إلى جهاز الصدمة الكهربائية ويضع الجهاز على الصدر ويصعق المريض فيعود قلبه ينبض من جديد وتظهر الارتفاعات والصوت على جهاز الإي كي جي، فيستحيل الجو إيجابياً من جديد ويهنئ البعض بعضاً على صنيعهم. مشهد مألوف جداً حتى صرنا نؤمن بأن الصادم الكهربائي جهاز يعيد الموتى للحياة من جديد!
لكن هنا المهم، فرغم أن المشهد يتكرر إلى يومنا هذا في كل فيلم وبرنامج تلفازي إلا أن الحقيقة هي أن الصادم الكهربائي لا يستطيع أن «يعيد تشغيل» القلب إذا توقف تماماً بهذه الطريقة، وإنما هدف الصادم أن يعالج حالات اختلال ضربات القلب مثل الرجفان البطيني وهو عندما تختل وتيرة الضربات القلبية مما يؤدي إلى ارتجاف البطينين بدل انقباضهما، وكذلك حالة أخرى اسمها عدم انتظام دقات القلب البطيني، وفي كلتا الحالتين وما أشبههما من حالات يضع الطبيب يدي الجهاز على صدر المريض ويبث شحنة كهربائية تسري عبر الجسم مروراً بالقلب فتنقبض كل خلايا القلب فجأة ويعود ينبض بوَتيرته الطبيعية معتمداً على إيقاعه الطبيعي لا على الجهاز نفسه، بينما في حالة توقف القلب تماماً فإن المريض عادةً يحتاج لعلاج بالوريد. وأما مشهد المريض وهو يُصعَق بالجهاز وينتفض الجسم كاملاً فجأة فلا يحصل إلا نادراً في الواقع.
إن المشاهد الشائعة في الأفلام لا تقوم إلا على الإثارة ولا تهتم إطلاقاً بالحقائق، وما رأيناه في الأعلى ليس إلا حلقة من سلسلة الخرافات التي تخترعها هوليوود من العدم لإضفاء التشويق على أفلامهم، فليحذر القارئ الكريم أن يستمد علماً من أي مكان إلا من المصادر الموثوقة والمدعومة بما يؤيدها.