الإنسان عند فلاسفة الأخلاق كائن قيمي.. إذ إن القيم في قاموسهم هي من يحوِّل الفرد من كائن بيولوجي إلى سوسيولوجي، يسلك ويتعامل مع الآخر وفق نسق قيمي محدد ومعروف يحكم من خلاله على المواقف والأحداث ويحدد به أفعاله الإرادية التي تصدر عن قناعة تامة ورغبة صادقة، كما أن هذا النسق هو من يُوجه نشاطاته الإبداعية، ويحفزه للتضحية والفداء أو على العكس تماماً، وهو من يجعل الأشخاص يصنعون تاريخهم كما كان، ويرسمون مستقبلهم بقدر ما سيكون، ويرضون أو يرفضون حاضرهم كما هو كائن.. ومع أن لكل إنسان منا سلماً قيماً خاصاً به يُرتبه حسب رؤيته للحياة وتكوينه الذاتي.. ومع أن للمجتمعات سلم أولويات قيمية يميزها عن بعضها البعض إلا أن هناك قواسم مشتركة بين بني البشر وكذا الدول والأمم في ترتيب الأولويات القيمية غالباً، فالعقائد والأيديولوجيات والعادة والتقاليد والسنن الكونية والتاريخية والبيئية، والطبيعة الإنسانية، ووسائل التنشئة المختلفة هي المسئولة غالباً في ضبط النسق القيمي للأفراد وفي المجتمعات عبر العصور وهذه وتلك إرث عالمي مُشاع غالباً إلا ما أملته المعطيات المؤثرة في التشكيل ذي الخصوصية المكانية والزمانية والعقدية، ومع ذلك فإن هناك شخصيات إنسانية خرجت عن صيغة العموم هذه وتفرَّدت في تكوينها وترتيبها للقيم من منطلق إنساني صرف بشكل ملفت للنظر، لم يستطع الزمن أن يذهب ببريقها ويُلغي استقلاليتها رغم تقادُّم السنين وعدم تدوين كل التفاصيل، ولعل من أبرز هذه الشخصيات “حاتم الطائي” فهو بحق ظاهرة تاريخية فريدة، له سلم أولويات خاص به جعله مضرب المثل وعنوان التميُّز، إذ إنه هو من جعل “الكرم” من القيم الكبرى، بل على رأسها في زمن كان الناس لا يجدون شيئاً، ولا يمكن لهم أن يؤثرون على أنفسهم وأولادهم بالصورة الغريبة التي حفظها لنا التاريخ عن هذا الطائي المتفرِّد بامتياز، ولذا فقد أحسن النادي الأدبي بحائل في فتح ملف سيرة هذا الرجل الرمز من منطلق قيمي صرف، وأتوقع من مثل هذه المناسبات الأدبية الرائعة أن تجيب على أسئلة كثيرة تتردد في الأوساط الثقافية والعامة لعل من أبرزها:
أي قيمنا يجب أن تبقى، وأيها لا بد أن يطاله التغيير والتعديل والتحوير والتبديل، وأيها يجب أن يُدفن تحت التراب مع أصحابه الذين في القبور؟
في أي اتجاه نطور بناءنا القيمي في المجتمع السعودي؟
من هي الشخصيات التي يجب أن تبعث سيرتها من جديد، ومن هم أولئك الذين لا بد أن نتدثر معالم حياتهم كما بليت أجسادهم، وما هو المعيار والأساس في ذلك، وإلى من نحتكم نحن الراغبين في البعث أو المتفننون بالإماتة؟
هل بالفعل ما زالت شخصية حاتم الطائي ببعدها القيمي متجذِّرة في نسيج تكويننا الداخلي نحن قاطني وساكني منطقة حائل؟
لماذا تحركت الأندية الأدبية وتوجهت الجهود الثقافية والأدبية السعودية لبعث الشخصيات التاريخية برؤية مناطقية في هذا الوقت بالذات، بعد أن كانت تتجه صوب الحراك العالمي وتتجاذبها المذاهب النقدية والاتجاهات الفلسفية في مرحلة ما قبل الانتخابات؟
عوداً على بدء.. الشكر كل الشكر للإخوة الزملاء في النادي الأدبي على هذا الجهد المثمّن، والشكر موصول لراعي هذه المناسبة الثقافية المتميزة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز أمير المنطقة وللشخصيات الثقافية والأدبية المشاركة والحاضرة، وللرجل الإنسان صاحب الأيادي البيضاء والمواقف الخيّرة الدائمة في المنطقة سعادة الوالد الشيخ علي بن محمد الجميعة كل الشكر والتقدير ولجامعة حائل وللغرفة التجارية الصناعية ولأبناء المنطقة وللزملاء الإعلاميين والمثقفين والعاملين من أجل النجاح الدائم لأي منشط إيجابي في هذا الجزء من وطننا المعطاء.. شكر خاص وتحية إعزاز وتقدير.. دمتم بخير وتقبلوا صادق الود وإلى لقاء والسلام.