ارسل ملاحظاتك حول موقعنا

Monday 09/04/2012/2012 Issue 14438

 14438 الأثنين 17 جمادى الأول 1433 العدد

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

في فيلم midnight in paris انتقل روائي شاب اسمه «جيل» عبر الزمن والتقى بآرنست همنغواي, الروائي المشهور. فدار بينهما هذا الحوار:

جيل: أتمنى اطلاعك على روايتي لأستطلع رأيك.

آرنست همنغواي: أكرهها جيل: أنت لم تقرأها بعد!

آرنست همنغواي: إن كانت سيئة سأكرهها. إن كانت جيدة سأغار وأكرهها أكثر. أنت لا تريد رأي كاتب آخر!.. غالبا تكون الأفكار عائمة في رأسي, أحيانا تكون هناك فكرة واحدة ملحّة, ومستعصية على أن أقبض عليها.. تقفز حينا ثم تعود لتغطس. مسببة لي توترا شديدا وحالة قلق طويلة. فجأة يظهر لي مَثل أو حوار في فيلم أو عبارة من مفكر.. تكون هي المرشد. فيحدث كما لو أن هناك لمبة كبيرة تلمع فوق رأسي.. ويصرخ داخلي صوت مثل أبطال الكرتون: وجدتها!.

قلت في مقال سابق لي إن الحب هو الشعور الوحيد الذي لا مبرر له. وهنا سوف أقول إن الكراهية هي شعور مبرر بجدارة.

و غالبا.. بل بإمكاني أن أقول بكل ثقة أنه دائما: يكون المبرر هو الغيرة.كانت الفكرة عائمة حتى سمعت حوار جيل في الفيلم المرشح للأوسكار كأفضل فلم, وحاز على جائزة أفضل نص أصيل.

والفكرة هي: أن الغيرة هي أساس الكراهية, ومسببها الأكبر!.

تقول أمي -رحمها الله- «العدو لا تتعب له والصديق لا تتعب له». العداوة والصداقة ليست كما يفهمها البعض أنها مسمى يدل على مدى انسجام الطرفين أو اقترابهما أو تنافرهما. لكنهما مقياس للنوايا الحسنة فقط. إني أفهم من تلك العبارة التي دائما ما تكررها المرحومة أمي. أن من كان يحمل لك داخله نوايا حسنة فلست مضطراً -على مدار الساعة- للدفاع عن نفسك وتبرير أفعالك واتخاذ الحيطة والحذر الشديد في القول الفعل خشية أن يغضب وينفر منك.

أما من يحمل لك نوايا سيئة فالعكس تماما.. أنت مضطر دائما للحذر في التعامل معه. بحاجة لأن تقيس كل كلمة وتزن كل فعل. حتى نظرة عينك لابد أن تعايرها جيداً حتى لا تتهم بأنك تبث له رسائل كراهية وعدم قبول بسبب نظرتك المجردة!.. فيما صديقك لو نظر في عينك ووجد النظرة ذاتها, سوف لن يفكر مرتين. ولن تكون متهما بسبب نظرة عينك!. والنوايا ليست هي الفعل, إنما هي تداعيات الحب والكراهية.. اللذين هما ردة فعل للغيرة!.

لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحب شخصا تغار منه, وبالتالي لا يمكن أن تحمل داخلك نوايا حسنة وأمنيات إيجابية لشخص تكرهه. الكراهية ابنة الغيرة الشرعية والوحيدة !..

الفكرة عتيقة ومزمنة داخلي لكنها كانت مترددة, ثم ألغيتها تماما عندما قرأت عن أعراض البارانويا. بأن المريض يعتقد أنه مهم وموهوب ومثالي وأن الآخرين يكرهونه ويحاولون النيل منه بسبب الغيرة. اختلط علي الأمر وقتلتُ الفكرة واجتثثت أصولها.

ثم عادت الفكرة للسطح من جديد بعد أن شذبتها. لأنني توصلت إلى أن الأمر لا يكون مرضياً إلا في حالات خاصة ومرتبطة بأعراض وحالات توهمية وظلالات ووساوس أخرى. وأن الغيرة حق. وهي حالة إنسانية محضة. وأنها شعور إنساني طبيعي كالحب والخوف والغضب و.. و.. إلخ.

لأن الإنسان حالة نقص. وخلق من أجل أن يبحث عن التكامل. وأن بداخله غابة من المشاعر والأفكار متشابكة ومتداخلة. وعليه أن ينظمها ويهذبها. وإلا حولته إلى مجرم أو مريض.. نعم هكذا ببساطة: مجرم أو مريض!.

لستَ بحاجة للسفر عبر الزمن ومقابلة أحد المشاهير المتوفين. أنت بحاجة فقط لأن تمتلك وجهاً جميلاً, أو موهبة أو مالاً, أو تتفوق دراسياً.. لأن تحصد الكراهية مثلما يحصد المزارع الثمار في مواسم الخصب! وبإمكانك صناعة بيئة ناجحة للغيرة بسهولة:

ضع فتاتين جميلتين في حفلة!

أو طالبين متفوقين في صف!

كاتبين يصدران كتبهما في نفس السنة!

طبيبين ماهرين في قسم واحد..

سوف تنشأ غيرة لا محالة, ليس لأن ثمة شرا هنا خارج إرادة البشر. لا..

وليس الغيور مصابا بمرض طارئ لا يصيب البقية..فالبشرية كنه النقيصة وجوهر المثالب. والغيرة دافع للتفوق والنجاح, واستغلالها في دخول مضمار منافسة شريفة أمر محمود.. لكن العجز مقابل تلك المشاعر, سيفسح لها المجال لأن تتكاثر وتتوسع فتغلق قلوبنا بترباس الكراهية.. لذا.. إذا كنت تريد أن تشع بالحب, ببساطة .. لا تغار!.

لأن الله تعالى يوزع الأرزاق بشكل منصف. لأن النجاح ليس حذاء سندريلا إذا ناسَب قدما يخرج البقية من السباق.. النجاح زمزم لا ينضب. لكل منا فيه نصيب..

kowther.ma.arbash@gmail.com
 

إني أرى
لأن نجاحك سبب فشلي!
كوثر الأربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة