((طبت حياة ميتا يا أبتاه، هذه خاطرة أكتبها في حقك فانتابتني حالة من القشعريرة لما لك في نفسي من مهابة
أبي: هناك فرق بينكم وبين آباء هذا الوقت فقد اندثرت مهابة الأب وتلاشت،
نعم الأب أنت, ونعم القائد أنت، ونعم المعلم أنت، ونعم الزوج أنت، ونعم الابن أنت، ونعم الأخ أنت فكل من له علاقة بك يثني عليك.
أبي: لقد كان لك أسلوبك الراقي في التربية، والتعليم، في المنزل، والمدرسة, ولك أسلوبك في الضبط،والربط في عملك
أبي لقد عرفت بالشدة والجدية عند أداء واجبك، وعرفت بالضحكة المميزة، والدعابة وقت الراحة
أبي: لم نعطك حقك أثناء حياتك بيننا، في أسرتك، ولم تنل ما تستحق من تكريم من الوطن في مجتمعك، ولكن بإذن الله لقد نلت أكبر من هذا كله وهو الشهادة التي نعرف كما أخبرنا الهادي الأمين صلوات الله عليه موجباتها، وعلى الله أن تكون لك بإذنه ورضوانه
وأنت ذلك الرجل الذي لا يقبل المدح والثناء
أبي هذه الرسالة الخاطرة تأخرت 26 عاما ولكن كنت أعيش نوعا من الحزن بأننا لن نراك مرة أخرى
أبي لقد ربيتنا على الأخلاق الحميدة وتجنب السيء منها
فكنت أبا وأستاذا، قلما يوجد في البيوت آنذاك أب وأستاذ مثلك، وإن كان جيلك هو جيل الأبوة الحقة.
أبي وأنا في ختام رسالتي إليك بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عن إخواني ندعو لك الله أن يرحمك ويدخلك جنات عدن وأن يجمعنا هنا
بجد بجد وحشتنا, وذهبت والأسرة في أمس الحاجة إليك ولكن كأنك تقول: لن أعيش زمن الثعالب
ولدك: خضر عوض باهميل -جدة))...
***
هذا نص رسالة وصلتني من رجل عصامي، كافح بعد موت أبيه وهو شاب على مقاعد الدراسة فتولى عنها للانخراط في العمل، حيث تتنامى إمكاناته يعمل، وحيث تدر عليه نعمة الله يستقر، فقام بدور أبيه الذي غادر البيت مخلفا زغب القطا، وعلى يديه هذا الابن، فسعى وتعلم الإخوة والأخوات..,
يأخذ من فمه ليطعمهم، وتمتد لهم كفه ليدفئهم، ويلوذون إليه في حرهم, وبردهم كنفا آمنا، وأبوة أخوة صادقة..
في جانب من الرسالة يقول خضر عوض باهميل: (الحمد لله تخرج إخوتي الذين هم أبناء قلبي, وهم ستة أولهم طبيب أشعة مقطعية درس في أوروبا، والآخر مهندس مدني، واثنان محاسبان، وواحد موظف إداري، أما واحدة من أخواتي فقد تخرجت طبيبة من جامعة أوربية شهيرة...وهم أعضاء عاملون في اليمن وفي بعض دول الخليج)...
أما هو، فيمتهن السياقة بمدينة جدة، ليواصل مع مسيرة الطرق دروبه.., ليتمم رسالته مع أم مقعدة، وأبناء صغار لا يزالون يرشفون من رحيق أبوته ما يتنافسون فيه بطموح عماتهم، وأعمامهم..
يقول خضر عوض: (كنت ألتهم الكتب والصحف، وأقرأ لك منذ اليفاعة وأحتفظ بمقالاتك، وكنت أتمنى أن أغدو أديبا معروفا، لكن رسالة أبي التي تركها بين يدي كانت الأولى في أهلي عن نفسي.. تركت مدرستي ورغباتي وانخرطت في الحياة لأجلهم، وما أريد من هذه الرسالة نشرها، لكني أضيفها لما كتبت أنت دكتورة خيرية عن بر الوالدين، وأخلاق الأبناء معهما، وأثر تربية الآباء فيهم.., فالدعاء أن يتقبل الله منك، ومنا ويجزل المثوبة لأبي لأنه زرع، وأرجو أن يكون قد حصد.)
***
إي وربي إنه قد حصد..
وإنك قد وفقت..
فيا أبناء العصر، ليكن (خضر باهميل) قدوتكم الناصعة، الناطقة بينكم...
تقبل الله سعيك أخي، ووفقك لمرضاته، وبلغك البر, والرضوان.