يتصف المشهد السياسي المتأزم في بغداد بحالة من التشنج والقلق المصحوب بحراك إعلامي وسياسي بين الكتل الثلاث المشكلة لما يسمى حكومة الشراكة الوطنية برئاسة السيد نوري المالكي، الذي يتهمه شركاؤه (التحالف الكردستاني والكتلة العراقية) بعدم الوفاء بالتزاماته التي تضمنها برنامج مؤتمر أربيل، الذي أُنشئت وزارته الحالية على توافقه السياسي بين الكتل الثلاث؛ حيث ركَّز المالكي كل آليات السلطة بيده؛ فهو القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية والدفاع والأمن الوطني والاستخبارات، علاوة على رئاسته مجلس الوزراء والذي يمارس سلطاته من خلال أوامر ديوانية دون اطلاع مجلس الوزراء على مضامينها!
وجاء (الفخ السياسي)، الذي نصبه منسوبو كتلة دولة القانون لنائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ليكسر العظم سياسياً بين دولة القانون ورئيسها المالكي وشركائه في السلطة (الكردستاني والعراقية). ولعدم اقتناع زعماء ومنسوبي الكتلتين بادعاء إلصاق تهمة الإرهاب بالهاشمي وحمايته، الذي عُرف بوطنيته وحرصه على حقوق الإنسان العراقي ومطالبته الدائمة للحكومة بإطلاق سراح المعتقلين الذين سُجنوا دون محاكمة، والذي فضح حالات التعذيب الجسدي والنفسي في السجون والمعتقلات السرية والتابعة لحزب الدعوة وقيادة عمليات بغداد التابعة لمكتب الرئيس المالكي مباشرة، وتدور شائعات قوية في مجلس الوزراء العراقي بترشيح المالكي الناطق باسم قوات عمليات بغداد قاسم عطا لمنصب رئيس جهاز المخابرات العامة بعد ترقيته لرتبة فريق لإخلاصه للتوجهات السياسية للقائد العام السيد نوري المالكي. ومن الجدير بالذكر أن الفريق قاسم عطا كان يشغل منصب مدير المطبعة العسكرية قبل أن يعين ناطقاً باسم قوات عمليات بغداد!!
وقد اشتدت سخونة الحملات الإعلامية وقسوة التصريحات الرسمية بين قادة إقليم كردستان والحكومة المركزية حتى أن السيد مسعود البرزاني صرح في واشنطن أثناء زيارته الرسمية الحالية لبيت الأبيض، بدعوة من الرئيس الأمريكي أوباما، بأنه طلب من الإدارة الأمريكية (بعدم السماح بظهور دكتاتور) جديد في العراق، وبيّن أن العراق يعيش أزمة وطنية حقيقية وخطرة؛ حيث هناك كتلة واحدة تسعى لتكريس سلطتها على العراقيين كافة.. ووصف البرزاني حملة توزيع الاتهامات الإرهابية على (بعض) الزعماء العراقيين المخالفين لإجراءاته التسلطية بأن لها علاقة بالوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري الشقيق، وخشية الرئيس المالكي من سقوط الأسد وتوجسه من تأثير ذلك على الوضع السياسي في العراق!
ويشكل تنصل المالكي وكتلته (دولة القانون) من مطالب اتفاق أربيل، ومماطلته في تنفيذ مطالب وحقوق الأكراد والكتلة العراقية دافعاً حتى اتفق الرأي والقرار بين البرزاني واياد علاوي على أن قضية الدكتور طارق الهاشمي مسيسة، وتهدف لتصفيته سياسياً، وأن مفهوم الشراكة الوطنية بقي حبراً على ورق في اتفاق أربيل ومبادرة البرزاني.
وأصبح طريق الحلول السياسية والمصالحة بين الكتل الثلاث مسدوداً ومغلقاً بعد تهرب مندوبي دولة القانون من الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر الوطني وإعلان القائمة العراقية على لسان زعيمها اياد علاوي بعدم المشاركة في هذا المؤتمر الوطني الذي غيرت دولة القانون اسمه للملتقى الوطني لتخفيض نسبة الالتزام بقراراته السياسية.
ما يسمى بالعملية السياسية في العراق مهددة بنهايتها بعد فشل حكومة المالكي الأولى والثانية في تحقيق أدنى نسبة من الخدمات العامة للمواطنين العراقيين؛ فلا كهرباء ولا ماء، والسجون تعدت في عددها المدارس والمستشفيات، والفقر والبطالة أصبحا عادة اجتماعية مألوفة، علاوة على القلق والخوف وفقدان الأمن والأمان التي يعيشها الشعب العراقي الشقيق.
وأمام رجال السياسة في العراق ثلاثة احتمالات للخروج من أزمة السلطة والحكم، أولها سحب الثقة من حكومة المالكي إن تحققت لهم أغلبية برلمانية لذلك، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من التكنوقراط بإشراف ودعم القائمة العراقية والتحالف الكردستاني وكتلة المواطن الذي يتزعمها السيد عمار الحكيم، الذي يحظى بتقدير واحترام الأكراد والقائمة العراقية، وقد يسند منصب رئيس الوزراء للدكتور عادل عبد المهدي وإن لم يتحقق ذلك فيصبح الحل الأخير الدعوة لانتخابات مبكرة قد تعزز أجندة سياسية جديدة تستهدف المشروع الوطني لتثبيت قواعد الدولة العراقية المهددة بالفوضى والتقسيم لا سمح الله!
هيئة الصحفيين السعوديين - جمعية الاقتصاد السعودية