يدور الجدل كثيراً حول مصطلح “السلطة الرابعة”، وهل يعني أنه رابع السلطات الدستورية الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، باعتبار أن الصحافة ووسائل الإعلام رابع سلطة دستورية لما لها من تأثير على السلطات الأخرى والناس، لكن ذلك غير صحيح، فالسلطة الرابعة المعنية في المصطلح حسب المؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل تختلف، وليس لها علاقة بالسلطات الدستورية،..
فقد اشتهر المصطلح من خلال كتاب توماس كارليل، “الأبطال وعبادة البطل” (1841) حين اقتبس المؤلف عبارات للمفكر الأيرلندي إدموند بيرك أشار فيها الأخير إلى الأحزاب الثلاثة (أو الطبقات) التي تحكم البلاد ذلك الوقت، رجال الدين والنبلاء والعوام، قائلاً إن الإعلاميين هم السلطة الرابعة، ولعل ذلك هو الأقرب للواقع المحلي، فالإعلام يحاول أداء دور منافس لما يؤديه رجال الدين وبيروقراطيي الحكومة والرجال المؤثرين في القرارات، لكنه للأسف ما زال يحبو في حلقة سباق السلطات الثلاث، والدليل أنه غير مؤثر على الإطلاق.
من خلال هذه الرؤية تناولت في مقال سابق قضية محاولة الإعلام المحلي المسموع والمرئي القيام بدور ممثل الناس في قضاياهم أمام الحكومة ورجال الدين والطبقة المؤثرة، وطرحت في وقتها مثال برنامج الثانية الإذاعي، الذي تحول إلى الثامنة المرئي كأحد أهم البرامج الإعلامية التي تقدم قضايا الناس الملحة أمام المسؤول، الذي عادة لا يصل إلى مستوى المسؤولية العليا ليقدم وجهة النظر الرسمية في القضية المطروحة، وربما لهذا السبب ولأسباب أخرى لم يغير صوت البرنامج المسموع في الأمر شيئاً، وقد شاركت مسبقاً في برنامج الثانية الإذاعي لتقديم وجهة نظر عن توحيد سلم رواتب الأطباء السعوديين وتجميدها مقابل المبالغ العالية والمميزات التي تُمنح للأطباء والممارسين الصحيين غير السعوديين، و تمت إعادة الحوار حول الموضوع مع أطباء آخرين في حلقة أخرى، ولم يتغير في الأمر شيئاً، برغم من آثاره السلبية وتثبيطه لروح الإنتاج عند الممارس الصحي السعودي..
أشعر أحياناً أن طرح الموضوعات عبر الإعلام قد يدخلها في طور الممانعة في إيجاد الحلول المناسبة، وفي هذه المناسبة أود أن أقترح أن تُدرس نتائج ما تم طرحه في جميع حلقات برامج الثانية خلال سنوات إذاعته شبه اليومية، وأن تتم دراسة الحلول التي خرج بها البرامج، وهل أثرت بالفعل في القرار في أي قضية تمت مناقشتها عبر الأثير، وسأعلن توقعي للنتائج في هذا المقال قبل إعلانها، وهو أن جميع القضايا التي تم عرضها وتناولها من خلال الإعلام لم تؤد إلى تغيير أو تطوير القرار، وهو ما يعني أن هذه البرامج غير مؤثرة وقد يكون هدفها الإثارة أو منافع أخرى، لكني في نفس الوقت لا أقلل من الموهبة والجهد الإعلامي الذي يبذله مقدم ومعد البرنامج، الذي يوجد له أكثر من مثيل له في قنوات أخرى، يعني بالعربي مجرد صراخ على الهوى لا نفع منه.
عدم الاستجابة لما يطرحه الإعلام ليس وليد اللحظة، فقد اشتكت كثير من الأقلام الصحفية في الماضي عدم تجاوب المسؤول للأسئلة والقضايا التي يرفعونها في أطروحاتهم الإعلامية، وهو يعني أن الإعلام المحلي مكانك سر، ولم يدخل بعد إلى طور السلطة الرابعة، بل لم يبدأ بعد مرحلة التأثير على القرار، والأمر لن يخرج من اثنين لا ثالث لهما، أحدهما أن الإعلام الحالي غير مؤثر لعدم استقلاله، والثاني أن السلطات الثلاث الأخرى قوية جداً، ولا تكترث كثيراً لما يُطرح إعلامياً..
لذلك أعتقد أن ما يحدث في البرامج الفضائية التي تطرح القضايا الساخنة في المجتمع السعودي غير صحي، ويدخل في فصل نشر الغسيل أمام الشعوب الأخرى، ولا أرى أي جدوى من التمادي في مثل هذه البرامج، فما تفعله الآن هو على وجه التحديد رفع مستوى التوتر والقلق بين الناس، وقد يعود الفشل إلى أن المسؤول غير ملزم بالرد على مقدم البرنامج أو الكاتب في الجريدة، ولا يوجد في صلاحيته أن يستمع أو يستجيب للإعلام، لذلك أطالب المستمعين والمشاهدين البسطاء أن يحلموا قليلاً، وأن يقللوا كثيراً من درجة التفاؤل، فالأمر لا يتجاوز كونه مجرد إثارة إعلامية لا غير.