فاصلة:
((إذا لم تستطع بناء مدينة فابنِ قلباً))
- حكمة عالمية -
عرفت عبر تغريدة للزميل «فهيد اليامي» في «تويتر» أن «الملحن صالح الشهري» يرقد في المستشفى مريضاً منذ فترة.
ولا أعرف لماذا كلما سمعت بمرض فنان أتذكر «يونغ» الذي يرى أن الفن ليس تعبيرا فرديا، بل هو تعبير جمعي، وبالتحديد هو تعبير عن المخزون اللاشعوري للذات الجماعية، فالفنان هو نحن، هو تعبيرنا عن آلامنا وأحزاننا وأفراحنا، لأنه يهدينا الكثير من خلال ما يقدم من أشكال فنية وبالمقابل نمنحه الحب والتقدير.
لكن الإشكالية أن الفنان إذا صمت عن تقديم الأعمال لمرض مثلا أصابه نتحول كجمهور إلى شركاء في معاناته حين ننساه.
لم ألتق يوما الفنان «صالح الشهري» لكني أعرف ألحانه وأشهر حناجر المطربين التي غنت له على مستوى الخليج والعالم العربي وأعرف لحنه لأوبريت «أمجاد الموحد» في الدورة الخامسة عشرة لمهرجان الثقافة والفنون.
وعندما سمعت بمرضه تساءلت هل ثمة من يقف بجانبه؟
المرض مؤلم لكنه يرهق أكثر نفسية الفنان لأن رهافة حسه تجعله يتفاعل بشكل مأساوي مع المرض وربما يستسلم له خاصة لو توقف عن الإنتاج بسبب مرضه.
حياة أي مبدع في العمل فإذا توقف عن العمل فقد متعة حياته.
لأجل ألا يفقد صالح متعة حياته وهو بيننا فقد قدم أكثر من 700 لحن ونال لقب أفضل ملحن للعام 96 وتلقبه الصحافة بمنجم الألحان علينا أن نكون معه.
صالح رغم كل ما قدم لم ينل أي تكريم من بلاده؟!
صالح الذي ترأس قسم الموسيقى في جمعية الثقافة و الفنون في الدمام في بداية الثمانينيات وبدأ حياته يتيما مكافحا ليدرس ويعمل ويعزف على العود يقول في مذكراته المنشورة في موقعه الاليكتروني (بدأت العمل في مطابع الرياض للطباعة والنشر مراسلا ومنحوني راتباً شهرياً قدره تسعون ريالاً سعودياً.. وفي الوقت ذاته كنت مولعا ً بالفن وكنت أعزف على آلة قريبة من العود صنعتها بنفسي، وأذكر أن أول مرتب تقاضيته اشتريت به عودا بثلاثين ريالاً، كما اشتريت زجاجة عطر وعباءة لوالدتي وقدمت هدية متواضعة لابن خالي).
مذكرات صالح الشهري رغم قصرها إلا أنها تبرز الجانب الإنساني له وتوثق لمراحل متعددة من تراث المجتمع الموسيقي ولئن خذلتنا الصحف في التوثيق ربما تنصفنا الشبكة الاليكترونية.
أكتب مقالتي هذه لأني أرفض أن أشارك في أي تأبين لمبدع لأنها عبارة عن مساحة نقدمها لأنفسنا لسلخها من جرم تهميشنا للمبدع.
والسؤال لماذا الآن لا نكون مع زميلنا صالح وأي زميل يعاني ؟
ربما ساعدناه أن يتشبث بالحياة، إن أخبرناه أنه ما زال في الذاكرة الجماهيرية، ربما أهدينا له إحساساً إنسانياً متجرداً يشعره بأن هناك ما يستحق أن يعود ليبدع من أجله.
شفى الله كل مبدع وأنقذنا من الجحود لأصحاب القلوب المعطاءة.
nahedsb@hotmail.com