لقد تحرّرت روسيا وباقي دول الاتحاد السوفيتي السابق عام 1990م من عهد القمع والاستبداد والاشتراكية والستار الحديدي خلال حكم (ستالين وخروتشوف وبرجينيف)، وذلك على يد الرئيس الروسي الأسبق (يلتسن) الذي تولّى الحكم لفترة محددة ثم ترك الحكم ليخلفه بعد ذلك وبانتخابات ديمقراطية (فلاديمير بوتين)، ثم جاء للحكم عن طريق الانتخابات أيضاً الرئيس الحالي (ديمتري ميدفيديف)، كما أنّ (فلادمير بوتين) قد خاض انتخابات الرئاسة الأخيرة وفاز فيها، وذلك دليل على أنّ روسيا تنعم اليوم بحياة ديمقراطية واقتصاد حر وانفتاح على العالم.

واليوم ما أشبه الليلة بالبارحة، فالشعب السوري يطمح اليوم في أن يصل إلى حياة كريمة واقتصاد حر وانفتاح على العالم، حيث يعيش في غالبيته منذ خمسين عاماً في ظل فقر مدقع وحكم فردي وقمع متواصل وأجهزة أمنية متعدِّدة تحبس عليه أنفاسه.

لقد قام الشعب السوري منذ ما يزيد عن السنة بانتفاضته الحالية وبشكل سلمي، من أجل تحقيق تلك الأهداف وقدم في سبيل ذلك آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين لا يعرف مصيرهم، إلاّ المولى عز وجل، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يكون في عونهم، وأن يفك أسرهم في القريب العاجل.

لقد تعاطف المجتمع الإقليمي والدولي في غالبيته، ومن ذلك المملكة العربية السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي ممثلة في الملك عبد الله بن عبد العزيز، مع ما يعانيه الشعب السوري من قمع هو أشبه بالحرب، حيث نزلت مختلف معدّات الجيش والأمن الثقيلة والمتوسطة والخفيفة للمدن السورية، بدعوى حماية المواطنين من العصابات المسلحة، وحاولت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التصدي لهذا الوضع، وذلك بالعمل على استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإدانة ما يعانيه الشعب السوري الذي وصلت حالة ترهيبه وقمعه إلى حد مهاجمة بيوت الله وهدم المآذن، وهو ما يتعارض مع قول الله عز وجل {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} التوبة18. فالمؤمنون يشيِّدون بيوت الله ولا يلحقون بها الأذى ويقدِّسون كتاب الله ولا يوجِّهون له الإهانة بالتمزيق أو الحرق، إلا أنّ روسيا عارضت صدور مثل هذا القرار، بل إنها عارضت قرار دول الاتحاد الأوروبي بمنع استصدار النفط السوري بحجة إعطاء النظام السوري فرصة للإصلاح، أو ربما صدقت أو أرادت أن تصدق مقولة النظام بأنّ عمليات القمع والقتل موجَّهة للعصابات المسلحة، مع أنه ثبت إقليمياً ودولياً عدم وجود مثل هذه العصابات، وإنما اتخذت ذريعة لمواصلة عمليات القمع وهو مكر سيكشفه الله عز وجل مصداقاً لقوله تعالى {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} الأنفال30

والسؤال الذي يوجّه لروسيا اليوم وهي تتبنّى هذا الموقف السلبي من الوضع في سوريا ألم تتذكر وضع الشعب الروسي في عهد الاستبداد السوفيتي إلى أن وصل إلى عهد الحرية والديمقراطية اليوم، ألا ترغب روسيا في أن يحقق الشعب السوري أيضاً هذا الهدف فهل الوقوف أمام تطلُّعات الشعب السوري من أجل مصالح آنية ومحدودة فقط، إذاً فإنّ هذا الموقف الروسي يشبه المواقف السوفيتية السابقة قبل ثورة (يلتسن)، فما هي إذاً آثار تحول روسيا إلى الديمقراطية على هذا الأمر وسواء؟

فالاتحاد السوفيتي السابق كان يقف مع حليفه وإن كان ظالماً وهو أمر يتعارض مع مبادئ الإنسانية والعدالة، فهل تأثرت روسيا اليوم في موقفها من انتفاضة الشعب السوري بمواقف الاتحاد السوفيتي السابق؟.

ونعتقد أنّ روسيا باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، مطالبة بتحمُّل مسؤوليتها تجاه المجتمع الدولي، ومن ذلك حماية الشعوب المضطهدة كالشعب السوري اليوم، إما عن طريق توظيف علاقاتها بالنظام بأن تقوم بالضغط عليه لكي يوقف عمليات القمع والترهيب وإعادة قواته إلى ثكناتها، ثم القيام بعد ذلك بإجراء إصلاحات جادة يرضى عنها الشعب السوري، ومن ذلك الشروع في إجراء انتخابات حرة ومراقبة دولية للبرلمان والرئاسة، فإذا كان الرئيس الحالي بشار الأسد الذي وصل الحكم بالتوريث يحظى بتأييد الشعب السوري، فسوف يُعاد انتخابه ومن حقه بعد ذلك الاستمرار في الحكم، أما في حالة فوز غيره في الانتخابات فذلك أمر يدخل في إطار حق الشعب السوري في اختيار الشخص الذي يتولى زمام الحكم، فإذا لم يجدِ هذا البديل فليس أمام روسيا سوى التضامن مع بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار المنشود الذي يهدف لحماية الشعب السوري من البطش والقمع والترهيب.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ماذا لو لم تغيِّر روسيا موقفها هل ستتأثر الثورة في سوريا بذلك والجواب بالنفي، لأنّ الثورة قامت عن قناعة كاملة بفساد النظام الطائفي الحاكم، ولأنّ الشعب السوري قدم تضحيات كثيرة في هذه الثورة آلاف الشهداء وآلاف المعتقلين، كما تم قتل المئات من الأطفال وترمّل الكثير من النساء، بل إنّ الأعراض قد انتهكت وبيوت الله قد أهينت، فكيف تتراجع الثورة السورية؟.