طبّاخ ماهر، عمل في عددٍ من الكنائس في بريطانيا، حتى استحقَّ أن يعمل طبَّاخاً في الكنيسة الكبرى في لندن، قدَّر الله عليه بألم في عموده الفقري، ظلَّ يتصاعد حتى أصاب فقرات سبع، تدخَّل الطبُّ لإزالتها، فحدث له شلل نصفي فأصبح «أنتوني» الطبَّاخ النَّشط، ذو الحيوية والنشاط مُقْعداً، وأصبحت «عَرَبَةُ» المقعدين رفيقته في سفره وإقامته، وحصل على سيارةٍ خاصَّة، وقد نظَّم حياته وفق حالته الصحيَّة، اتفق مع رجل باكستاني اسمه «ديزا» ليكون مساعداً له، كان ديزا مسلماً، ولكنَّه كان ضعيف الالتزام بتعاليم الإسلام، ولكنَّه كان كثيراً ما يتحدث مع أنتوني وود عن الإسلام مجيباً عن أسئلته الكثيرة التي كان يوجَّهها إليه، وما هو إلاَّ زَمَنٌ قصير، أصبح بعده أنتوني مسلماً، واختار اسم «عثمان»، ودخل إلى عالم الإسلام المضيء مقتنعاً، حتى أصبح هو الموجَّه والمرشد لمساعده المسلم «ديزا»، ومرَّت به الأعوام وهو يتألَّق روحياً بإيمانه، وحُسن إسلامه، وصدق تديُّنه، ثم أراد الله أن يلتقي بأحد الطلاَّب السعوديين الذين يعرفون أن ابتعاثهم إلى بريطانيا أو غيرها فرصة كبيرة لإعطاء غير المسلمين صورةً مشرقة عن الدين الإسلامي، بالتزامهم وسلوكهم وأخلاقهم وبعدهم عن مواطن الرِّيَب، وهذا ما يجعلنا ننادي كلَّ مبتعثٍ ومبتعثة أن يكونوا على مستوى المسؤولية محافظة والتزاماً وخلقاً، التقى «عثمان» بالطالب عبدالمجيد العنقري، ورأى من حُسْنِ إسلامه، وقوَّة التزامه بالدين الذي اعتنقه ما جعله يبني معه علاقة متينة قائمة على الحبَّ الصادق في الله سبحانه وتعالى.
رتَّب عبدالمجيد أمور السفر إلى مكة المكرمة لهذا المسلم البريطاني المقعد، وتمَّ له ما أراد، جاء إلى مكة على مقعده المتحرك، وأظهر من عبادته، وذكره، وتعلُّقه بالله ما أدهش مرافقيه، وزار جمعيَّة هديَّة الحاج والمعتمر، ورأى من نشاطها ما أثلج صدره، وأخذ يشرب من زمزم ويغتسل به، وهو يدعو ربَّه أنْ يمنَّ عليه بالشفاء، لقد ألحَّ في الدُّعاء وانكسر أمام الله عزَّ وجلَّ، وكان يغتسل بماء زمزم ويدعو الله أن يجعله سبباً في شفائه، وحَدَث ما لم يكن في الحسبان على مرأى ومسمع من كان يرافقه وهم شهود العيان لما حدث، دخل إلى «الحمَّام» للاغتسال بماء زمزم، وفوجئ الجالسون بصوت تكبير يرتفع من الحمام، فقاموا إليه مذعورين وقد ظنُّوا أنَّ مكروهاً قد حدث للبريطاني المقعد «عثمان»، ولكنَّهم تسمَّروا في أماكنهم منبهرين وهم يرونه واقفاً على قدميه ينقل رجليه ماشياً؛ مشى عثمان المقعد على مدى سنوات طوال، مشى على قدمين تعطَّلتا زمناً، ولم يعد بحاجة إلى استخدام دوائه المعروف الذي تعوَّد عليه «بين كيلر» لأنَّ الآلام التي كان يعاني منها قد خفَّت بعون الله وتوفيقه.
إنَّه لحدَثٌ عجيب، تحدَّث إليَّ به الإخوة فأدهشوني بما رووا، ولاسيما وأنَّه حدث منذ أسابيع، وحينما ذهب (عثمان) إلى المدينة المنورة كان يمشي، وحينما ذهبوا به إلى مكان في البرِّية اسمه المنطقة البيضاء «في المساء، فاجأهم بروحانية متألِّقةٍ وهو ينظر إلى السمَّاء، وقد زيَّنها الله بالكواكب والنجوم، روحانية متألَّقة دفعته إلى السجود لله سجدة طويلة، حلَّقت بروحه في آفاق الخشوع والخضوع.
سافر (عثمان) إلى بريطانيا سائراً على قدَّميه، ويا لها من قصَّة عجيبة سمعتها من رواةٍ ثقاتٍ، وهاتفتُ مع الأخ الكريم «منصور العامر» مدير جمعية هديَّة الحاج والمعتمر بمكة المكرمة، مترجمه السوداني «محمد حسن» فشرح لي طرفاً من القصة وهو الذي رأى المرحلة الفاصلة بين حالتي (عثمان) المُقْعد، و»عثمان» الذي أصبح يسير على قدميه، فسبحان القادر على كل شيء.
إشارة: إن الله ليستحي من عبده إذا رفع إليه يديه بالدعاء، أن يردَّهما صِفرا.