روبرت دانين
شهدت الأيام الماضية تبادلا للاتهامات بين جماعة الإخوان المسلمين التي تحتل أكبر نسبة من مقاعد البرلمان المصري والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر. فقد اتهمت الجماعة المجلس بأنه يماطل في تنفيذ أهداف الثورة المصرية ويسعى إلى التلاعب بنتيجة انتخابات الرئاسة المقرر إجراؤها في مايو المقبل ويحاول عدم تسليم السلطة إلى الحكومة المدنية بنهاية يونيو المقبل كما هو مقرر حاليا. ورد المجلس العسكري الحاكم في مصر ببيان غير مسبوق اتهم فيه جماعة الإخوان المسلمين التي كانت محظورة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك بأنها تروج أكاذيب تنتقص من كرامة القوات المسلحة.
والحقيقة أن تبادل الاتهامات في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ المصري هو آخر شيء يمكن لمصر أن تحتاج إليه. فلعبة تبادل الاتهامات لا تعكس فقط عدم التحلي بالمسؤولية من جانب الأطراف القابضة على السلطة الحقيقية في البلاد وإنما أيضا تؤثر على تصورات الرأي العام المتغيرة.
ويعيدنا المشهد الحالي إلى الحملة الغاضبة التي شنتها السلطات المصرية وبخاصة وزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا على المنظمات غير الحكومية الأجنبية العاملة في مصر التي بدأت في ديسمبر الماضي. فقد اتهمت الوزيرة العديد من منظمات المجتمع المدني بأنها تمارس أنشطة غير مشروعة، وقالت إن الولايات المتحدة تستخدم هذه المنظمات لإجهاض الثورة المصرية وخدمة المصالح الأمريكية والإسرائيلية. وبعد ذلك مباشرة أحالت السلطات المصرية 16 أمريكيا وعددا آخر من الأجانب والمصريين من العاملين في هذه المنظمات إلى القضاء بتهمة استخدام أموال اجنبية غير مشروعة لإثارة الاضطرابات والعمل بدون ترخيص في البلاد.
ومنذ عدة ايام أصدرت مؤسسة جالوب الأمريكية لأبحاث الرأي العام نتائج استطلاع رأي في مصر أشارت إلى تدهور صورة الولايات المتحدة في مصر بشدة بعد إطلاق أبو النجا حملتها ضد واشنطن. ووفقا للاستطلاع فإن أغلبية المصريين وبنسبة 56% يرون أن العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة ليست في صالح مصر. وهذه النسبة اكبر من النسبة التي كانت ترى هذا الرأي منذ 3 شهور حيث كانت 40% فقط. والحقيقة ان الحادث المصطنع للهجوم على منظمات المجتمع المدني في مصر واتهام الولايات المتحدة بالتدخل في شئون مصر نجح في إبعاد النظر عن فشل الحكم المصري.
كل هذا يؤكد حقيقة أن قادة مصر قادرون على تشكيل الرأي العام بقوة وفي الاتجاه الذي يريدونه اليوم. فعندما اتهمت السلطات المصرية المنظمات الدولية غير الحكومية التي تحاول مساعدة مصر في إقامة نظام ديمقراطي حقيقي بأنها عميلة لأمريكا والصهيونية ومناوئة للثورة المصرية فإن الرأي العام سار في نفس الاتجاه.
هذا وقت شديد التقلب بالنسبة لمصر. فلجنة كتابة الدستور الجديد للبلاد بدأت اجتماعاتها الأسبوع الماضي رغم انسحاب الأحزاب الليبرالية منها احتجاجا على سيطرة الإسلاميين عليها. والحقيقة أن انسحاب القوى الليبرالية والعلمانية من هذه اللجنة يطعن في شرعيتها تماما وقد يؤدي إلى تدخل المجلس العسكري لضمان الخروج بدستور يعكس تنوع وتعددية المجتمع المصري. والآن مع اقتراب أول انتخابات رئاسية في مصر بعد الثورة فإن الوقت الآن يحتاج إلى خطاب مدني مسئول وليس إلى تبادل الاتهامات.
في ضوء تجاوب الرأي العام مع هؤلاء الموجودين في السلطة في مصر ومع حرية الوصول إلى الإعلام فإنه من الخطر على المجلس العسكري والإسلاميين المسيطرين عل البرلمان الدخول في صدام أو خلاف معلن بصورة غير مسئولة. التحديات الأكبر التي تواجه مصر مازالت قائمة ولن تستطيع مصر التغلب على المصاعب التي لا تحصى أمامها إلا بوجود قيادة مسئولة. و لن تظهر هذه القيادة إلا إذا تحلت كل الأطراف الفاعلة بالمسئولية وتفادي الدخول في حروب كلامية شرسة حتى لا يصبح هم القيادة القادمة هو إزالة ما علق بها من شوائب.
موقع (مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي)