ينقل أحد كبار السن عن والده أنه في أحد الأعوام أصاب البلاد ربيع يحتار فيه الوصف إثر أمطار لا تكاد تنقطع إلا وتعود برذاذات تنعش الناس والنبات ولا تحول دون تحرك الناس واستمتاعهم بذلك الربيع وما كان من أجوائه الرائعة.. والذي صار يبعث في النفوس الأمل بعام يفيض بالرخاء، ذلك الرخاء الذي طالما انتظره الجميع لينعموا به بعد سنين من الجفاف والسنوات العجاف.. ولكن هيهات.. فلم تدم فرحتهم حين وجدوا أنفسهم في مواجهة موجات من الجراد أتت على غير انتظار، فيما صار الربيع في أوج كماله وتمامه، وقبل أن يبلغ مداه وتعلو الزهور أطرافه.. لتأتي عليه وليصبح خلال أيام معدودات أثراً بعد عين، ولتتبدد معه آمالهم العريضة في الرخاء والهناء والأمان.. ولعل مثل ذلك ما أصاب ربيع العرب الذي داهمته تلك القوى المتربصة من قوى الداخل وقوى الخارج ولتقوم بتحويل المسار لغير ما هو ذاهب إليه، مستعملة أقوى ما لديها من الوسائل، بما فيها رفع الشعارات التي يخالف باطنها ما تظهره من خلال شعارات الحرية والديقمراطية اللتين لا مكان لهما أصلاً في أدبيات تلك القوى، والبعيدة كل البعد عن مآلات ومقاصد ذلك الربيع العربي وغاياته في الوصول إلى صلاح الحال وسعادة الأمة.. ولتعود الأمة بعد ذلك إلى مستوى من الحال الأسوأ، مما يبعث على الرثا والإشفاق لبلدان عانت ولاتزال في صلب المعاناة من الاتجار بالشعارات اللاهثة وراء الأحلام التي طالما أضاعت البلاد والعباد.. وإن صار السعي للوثوب على السلطة والاستئثار بالحكم هما الغاية وبيت القصيد.. حما الله بلادنا وأمتنا العربية من كل مكروه.