كما تأخذون بأيديهم لم تستو عظامهم ليتقنوا الوقوف على أقدامهم، ومن ثم السير عليها، خذوا بأيديهم في الدروب الأخرى:
نوروا لهم دروب التعارف، والمصاحبة الفاضلة، والنقية..
أشيروا لهم إلى علامات الحذر، نبهوهم إلى هاويات التردي.. ضعوا في أيديهم خريطة النهج الواضحة، وبوصلة الدلالة التي لا تخطئ..، وساعدوهم في رسمها، وصناعتها..
هم فلذاتكم الذين يمشون على الأرض..
هم الزائرون المغادرون لبيوتكم حين يصبح الكتف بجوار الكتف..
غير أنهم يبقون صغاركم النابضة بهم أفئدتكم..
وهم من بعد، من لهم تتسع مساحة البسمة.. أو تنقبض..
ومن تجري لهم أنهار العيون فرحا, أو ألما..
هم تلك الآهة الطويلة التي ترسلونها حين تتوسدون فرشكم..
وهم تلك اللغة التي بأبجدية أسمائهم تلهجون دعاء لهم حين تمسون، وتصبحون..
وحين تتقلب جنوبكم في الليل، والنهار...
هم سركم المفشي في صدوركم..
كما تشربون الماء البارد ينزل بردا على صدوركم في يوم قائظ، بعد حطابة في صحراء قاحلة بالوعثاء, والتعب، والجهد.. فتأتي روية بها عروقكم، مستكينة بها أنفاسكم..
هم يكونون لأعماركم المثوبة التي ترطب جفافها، والثمرة التي تُذهب لسعة الجوع، وحرقة الوعثاء في القاحل منها... هم أبناؤكم.. خذوا بهم نحو منتجع النهر الصافي من تجاربكم...,
أرسوا لهم أشرعة مراكبهم اللاهثة في أمواج الحياة، المضطربة في تناقض المد، والجزر لمواجهاتها،.. أمورَها وأناسَها..
ضعوا لهم الموازين، واملأوها بخلاصات تجاربكم..
لا تتركوهم يعيثون بلا خبرة، ويضطربون بلا مرتكز، ويبحرون بلا أشرعة، ويتيهون بلا شواطئ..
فلذاتكم الماشية على الأرض،...
أما وقد كبرت الأرض، وصغرت في آن..
أما وقد عجت بكل ريح..
أما وقد تداخلت الأشرعة في بحورها..
أما وقد فقدت بوصلات في هجوم دواماتها، وريحها..
أما وقد اندلعت براكينها..
أما وقد اختلط أناسيوها..
أما وقد تعكر صفو مياهها..
فخذوا بهم وإن طالت سيقانهم..
خذوا بهم وإن عرضت مناكبهم..
خذوا بهم وإن صلبت كفوفهم..
خذوا بهم لمرافئ النجاة، وشواطيء الأمان..
فهم أنتم...
إنهم ماء وجوهكم، وطبخة قدوركم، وثمار أشجاركم..
إنهم عملكم المبيض جباهكم، أو المهيل عليها تراب عجاجكم...
اليوم هذا، في الراهن من التاريخ هذا، الموسوم بكل صفات المرحلة
هو المسجل لكم قيمة ما تقدمون لهم، ومن ثم نتائجه فيما يكون عليه حالهم في الآتي..
لا تتركوهم فرادى..
شاركوهم ما يقرأون، تعرفوا على من يصاحبون, امتزجوا بهم كي لا تأخذهم الحياة لغير ما تأملون...
كل هذا لا يعني إلا أمراً واحداً، أن يكونوا نماذج ناصعة بكم، وبأنفسهم..
فأنتم المعينون لا الطامسون، وأنتم البانون لا الهادمون، وأنتم الآخذون بالأيدي, والأقدام لا الحاملون والماشون.., وأنتم المنورون الظلم، الكاشفون عن المزالق لا القاضون على بصيص النور فيهم، والقدرة في مكنونهم..
إنهم فلذاتكم، وليس أنتم..!!
إنهم ذلك الوهج الحراق في جوانبكم...!!
أليسوا هم..؟