في مثل هذا اليوم من العام الماضي 1-4-1432هـ انتقلت يا والدي إلى دار البقاء بعد حياة امتدت لأكثر من تسعين عاماً، وما زلت أتذكرك، وسأظل أتذكرك ما حييت، أتذكر أعمالك الطيبة وأفعالك الحسنة، أتذكرك كلما دخلت إلى المسجد الذي كنت تصلي فيه، كنت مواظباً على أداء صلواتك، كنت تصدح بالأذان، وتقرأ فيه القرآن، كم رافقتك من مرة وكنت مبتهجاً بي مسروراً، أتذكرك كلما شاهدت أصدقاءك وجيرانك الذين يتذكرونك من خلالي، ويترحمون عليك، فكنت لهم نِعْم الجار ونِعْم الصديق.

أتذكرك كلما دخلت بيتك، وشاهدت ذلك المكان الذي كنت تحب الجلوس فيه، وأنا وأولادي من حواليك، أتذكرك كلما ذهبت إلى مزرعتك، ورأيت آثارك هناك، أتذكرك كلما اجتمعت مع أقاربي في إحدى المناسبات التي كنت تحرص على الوجود فيها، رغم كِبَر سنك ومرضك، كانوا يفتقدونك ويدعون لك، أتذكرك في صلاتي وسجودي، وأدعو الله أن يرحمك يا والدي رحمة واسعة، أتذكرك يا والدي ولن أنساك ما حييت، كيف لا وأنت سبب وجودي في هذه الحياة، يا من علمتني وربيتني وحفظتني حتى كبرتُ واشتد عودي، يا من درستني القرآن وحفظتني إياه، يا من علمتني الصلاة وتابعتني وأنا طفل صغير لا أعرف ولا أحسن، أقف على يمينك وأتابعك لأتعلم منك، علمتني أن الإنسان بلا دين كالتائه الذي لا يعلم شيئاً في هذه الحياة، يا من علمتني كيف أوثق علاقتي بخالقي، وأعتمد عليه في كل شؤون حياتي، يا من علمتني معنى الاعتماد على النفس، يا من علمتني أن الحياة فسحة وأمل متجدد مهما كثرت الهموم والمشاكل والفتن، يا من علمتني أن علمي وشهادتي هما بيتي ومستقبلي.

ماذا أذكر وماذا أدع؟.. اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار. اللهم عامله بما أنت أهله، ولا تعامله بما هو أهله. اللهم أجزه عن الإحسان إحساناً وعن الإساءة عفواً وغفراناً. اللهم أنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقاً. اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حُفْرة من حُفَر النار. اللهم أفسح له في قبره مد بصره، وافرش قبره من فراش الجنة. اللهم املأ قبره بالرضا والنور والفسحة والسرور. اللهم إنه في ذمتك، وحل جوارك، فقِه فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم ارحمه تحت الأرض، واستره يوم العرض، ولا تخزه يوم يبعثون، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. اللهم يمِّن كتابه، ويسِّر حسابه، وثقل بالحسنات ميزانه، وثبت على الصراط أقدامه، وأسكنه في أعلى الجنان بجوار حبيبك ومصطفاك صلى الله عليه وسلم. اللهم إن رحمتك وسعت كل شيء فارحمه رحمة تطمئن بها نفسه، وتقر بها عينه. اللهم احشره مع المتقين إلى الرحمن وفداً، اللهم اجعله في جنة الخلد التي وعد المتقون، كانت جزاء ومصيراً، لهم فيها ما يشاءون، وكان على ربك وعداً مسؤولاً. اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله، واجمعنا به في جنات النعيم يا رب العالمين.