قرأت كتاباً للأمير محمد بن سعود بن خالد بعنوان “الرفض والقبول”، أضفى فيه الكثير على سيرة تعامل المجتمع السعودي مع تقنيات الاتصال من البرقية إلى الإنترنت. وقد حوى الكتاب نبذة تاريخية عن تلك المخترعات التي حلّت على المجتمع السعودي، فكان منه ما كان من رفض ومن ثم قبول، كما ضمنه حلقات نقاش حول التقنية. وقد أخذ الكتاب بيدي للكتابة عن أسئلة ما زالت قائمة حيال تأخر التقدم الصناعي منذ خلق البشرية إلى هذا الزمن، مع وجود القوانين الطبيعية والكيميائية على أرض المعمورة.
وقد تناول الكتاب قبول المجتمعات لمستحدثات تقنية الاتصال، وذكر في هذا الشأن اختراع مكينة الطباعة على يد يوحنا غوتنبرغ، وكيف أنّ الكنيسة في ذلك الزمان رفضت هذا الاختراع الغريب، متذرّعين بحجج واهية مثل انصراف الناس عن الكتابة وهجرها، وتضرُّر النُّسّاخ من هذا الاختراع الجديد. وقد كان غوتنبرغ ذكياً بما فيه الكفاية، فعمد إلى طباعة كتاب الإنجيل المتاح في عصره حتى يثبت لهم فضل اختراعه على بضاعتهم. وقد لقي ماركوني مخترع الراديو ما لقي من سبقه، حتى أنه حكم عليه بالإعدام جراء اختراعه لولا هروبه إلى بريطانيا التي تبنّت مشروعه. كما أنّ غراهام بل مخترع الهاتف واجه مقاومة في بادئ أمره إلاّ أنه استطاع شق طريقه وتحقيق مبتغاه.
إنْ كان هذا هو حال المجتمعات التي أوجدت هذه الاختراعات من العدم، فما بالك بمجتمع جلبها إلى سوقه كما هي الحال في المجتمع السعودي، ولذا فلا غرابة أن يقاوم اللاسلكي، بل وتسفك من أجل مقاومته الدماء، وكذلك كانت هناك مقاومة للراديو والاسطوانات والبكب، ومن بعدها الصور السينمائية المتحركة حتى وصل الأمر إلى التلفاز. وأذكر أنّ أحدهم قال عند دخول التلفاز كيف أضع على سطح منزلي علامة “أنتنا” حتى يقال إنّ فلاناً ابن فلان أدخل التلفاز إلى داره؟ وكانت إحدى بناته تذهب إلى الجيران لتشاهد البرامج عندهم، وبعد فترة قصيرة أصبح الأمر مألوفاً فوضع العلامة، رحمه الله رحمة واسعة.
وجاء الهاتف الثابت، وقد عاصرتُ بداية دخوله، وأذكر الأعداد الهائلة من المكالمات القادمة من مجهول الله أعلم بمراده، وبعد مدة أصبح الأمر طبيعياً وأضحى الناس يستخدمونه لما صُنع من أجله، وكانت الحال كذلك فيما يخص البيجر ومن ثم الهاتف النقال. ولعلّني أعود بالذاكرة لأتذكّر أنّ أول هاتف نقّال شاهدته في لندن وكان كبير الحجم، وقلت في نفسي ولماذا يرغب الناس نقل الهاتف معهم طالما أنّ بعضهم لديه هاتف في سيارته وفي منزلـه؟ هل الغاية زيادة في الإنفاق؟ وبعد مدة وجدت نفسي وأسرتي نحمل معنا هواتف لا تفارقنا حتى في مرقدنا. وبعد ذلك دخل الكمبيوتر، وأذكر أنه في بداية أمره، كنا نصطف ونحن طلبة في إحدى الجامعات الأمريكية ننتظر أمام غرفة كبيرة الحجم ببطاقاتنا لتخرج لنا نتائج العمليات الحسابية في اليوم اللاحق، وهي نتائج تعالجها الأجهزة الحديثة في جزء من الثانية. وحلّ الإنترنت ضيفاً على العالم وتهافت الناس عليه تهافت الفراش على النار. وقفز الجيل الحديث يتعامل معه دون عناء، بينما بقي جيلنا القديم يستخدمه في أمر محدد مثل البريد الإلكتروني، ولا يدخل نفسه في جدليات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبك والتويتر، التي نقلت المجتمع الصغير إلى مجتمع أرحب يأخذ من الوقت الشيء الكثير فيما لا طائل منه.
ولعل إضاءة المؤلف الطريق وإماطة اللثام عن هذا الحقل الواسع، يجعل التأليف حولـه يسابق تغيره، ويبدو أنه لا خيار أمام البشرية سوى الاستفادة القصوى من هذه التقنيات الحديثة، ومن رأى غير ذلك فسوف يبقى أمياً في عصرنا الحديث.