دأب الإنسان محبا للجمال، راغبا في الصحة، لذا فهو يلهث في سبيلهما، منتهجا أي طريق يحقق له أن يكون جميلا في الشكل, منعما بالصحة ..
فالعافية هي الوارث المأمول الذي يستعين به الإنسان على حياته،.. ليكون مؤهلا للركض وراء رزقه، أو متعته، أو قوته في عمله، وممارساته الحركية، ووجوده الفاعل بين الأحياء ..
وهذا مطلب طبيعي لأي إنسان..
لكن بالغ الإنسان في مطلبه حتى تحولت الفائدة لمضرة...
إذ تنوعت وزادت أغراض المرء من أجل الجمال، والصحة..
في اضطراد مماثل لتعددية، وزيادة سبل تحقيقهما..
تنافست المصحات، والاستشاريون، والمبتكرون لتقديم العلاجات، التي تحولت من اللازم، للمتجاوز.. وكثرت التدريبات، والمؤنات المختلفة، لأن يكون المرء جميلا على غير خلقته الأولى.., ومعافى وهو عليل، ويزداد عللا..
ولم يعد الجمال الخارجي من مطالب النساء، بل نافسهن في ذلك الرجال..
كما لم تعد المساحيق الطبيعية من الأشجار، والنباتات، والفاكهة, والخضروات مصادر للجمال، بل انقلبت أوعية تجار الجمال على أفواهها، وغطت بمنتجاتها كل مكان, في المحلات التجارية الفخمة، وفي الدكاكين الشعبية الرخيصة، ومن أجل هذا الهوس بالجمال، تخصص الأطباء في التجميل، حتى أن منهم من أصبح كالقصاب، والنجار، والسباك، ينحت، ويبرد، ويقوِم، ويسمِّر، ويقص، ويلصق، وينفخ، ويشفط، ويحشو، وينشر..
وفتح المرء جيبه حد الإفلاس، والاقتراض لمواجهة أثمان الحقن، والعمليات, والأدوية، والمغذيات، والملونات, والمرطبات، التي تحولت لتجارة رابحة، الكاسب فيها الطبيب، وتاجر المبيعات، ومسوق الدعايات، وصناع أدوات الجمال الزائف، والمحفز لسبل، ووسائل، وآليات الحصول على الخلطات السرية، والعمليات الخارقة للجمال، تلك التي يلهث إليها ليس متقدمو السن فقط، بل الشباب الذين يريدون مزيدا من الصقل, والتلميع، ليتنافسوا في المظهر الخارجي، وإن جاء على حساب العافية التي ينشدونها، في الصحة التي غدت وهما وسرابا..
يهدمون العافية وهم يتوهمون بناءها، ويتجملون بما يحرمهم أي مسحة من جمالهم الطبيعي..!!
المدهش أن المرء يخضع لكل ما يحقق له غاياته في هذا الشأن بقدرة جيبه، ومستوى خزينته ..
إذ غدت مراكز التدريب، والتأهيل تقدم له مغريات الوهم في مزيد من لمسات الجمال في البرك المائية، ولدغات النحل، والاستغراق في الطين، والغرق في برك الأسماك، والتمتع بمساحات من الاسترخاء في أقنعة الذهب... ومساحيق الحجار الطبيعية.. و...و...
يبقى الإنسان عدو نفسه، إذ هو يبدو لا يعرف تماما أن مسحات خارجة عن صلاحية الطبيعة فيه، سوف لن تعطيه أكثر من بريق عابر، وطيف جمال زائل، وسوف يدرك ذلك وهو يواجه ذاته وحده، حين لا من يتحدث إليه إلا عقله إن جاء معه في رحلة مع الحقيقة..!!