كتب عباس محمود العقاد قائلاً: (يوم عرف الإنسان الشيطان كان فاتحة خير).. حيث إنّ غواية الشيطان للإنسان، في البدء لآدم وحواء وتجاوبهما مع تلك الغواية قاده إلى الحياة الدنيوية، الحياة البشرية، إلى الكذب وإلى التلاعب،
متخطيّاً بذلك التلاعب، الأسوار البشرية إلى الأسوار النباتية وأسوار الكائنات الحيّة الأخرى وربما الجمادات مستقبلاً، أعني بالتلاعب، التلاعب الجيني!!.
يوماً ما ستشتم زهرة فلّ فتجد رائحة ياسمين، أو تشتم زهرة لوتس فتجد رائحة زهرة التوليب، كل ذلك من خلال التلاعب بجينات النبتة. حيث اكتشف فريق من العلماء “مؤخراً” في معهد الأطعمة والعلوم الزراعية في (جامعة فلوريدا) جينات التركيبات الكيماوية التي تحدد أريج الزهر، مما يفتح أمامهم آفاقاً جديدة في مجال إبدال وتعزيز مركبات عطر معيّن، بعد أن كان تركيز العلماء والمزارعين لسنوات مديدة على شكل الزهرة وحجمها ولونها في حين أهمل عطرها. إلاّ أنّ أستاذ البستنة في تلك الجامعة “ديفيد كلارك” مع باحثين آخرين، اكتشف أنّ جينة عطر زيت الورد هي نفسها المسئولة عن منح حب الطماطم المذاق الطيب، وبتلاعب بسيط بجيناتها توصلوا إلى ابتكار طماطم أشهى رتبوا أمر تسويقها!!.
فهل حقوق النباتات تسمح بذلك التلاعب؟ وإلى أي حد يسمح لهم به،؟ ونحن عرضة لأن نستطعم نباتات بمذاق آخر لا ينتمي إليها أو يدلل عليها، ولنا أن نتخيّل تفاحاً بطعم البرتقال، وموزاً بمذاق الكيوي!!.
مرّ بي أنّ حملة ضخمة شنّت بسبب انتشار خضراوات وفواكه تحمل صفات مغايرة لطبيعتها البيولوجية، وأعدّت الحكومة التركية مشروع قانون للحفاظ على صحة البشر والحيوانات من أخطار مثل هذه الأصناف، ولحماية السلالات الزراعية من التلاعب الجيني.
يقضي القانون بالسجن لمدة تتراوح من خمس سنوات إلى عشر سنوات، مع غرامات مالية تصل إلى 200 ألف ليرة (40 ألف دولار) لكل مزارع أو منتج أو مشارك في تغيير البنية والتركيبة الجينية للمزروعات وطرحها في الأسواق.
كما ركّز القانون أيضاً على تعزيز هيئة الرقابة البيولوجية على المنتجات الزراعية من خلال تزويد طاقمها الأكاديمي والفني بأعداد أكثر وخبرات أفضل.
وقبل عدة سنوات، أو تقريباً في عام 2004م اكتشف علماء أميركيون طريقة للتلاعب بواحد من الجينات لدى القرود، وتحويلها إلى نوع من العبيد ينفذ أعمال السخرة، بعد أن أصبحت مخلوقات تؤدي أعمالاً رتيبة من دون أن يصيبها الضجر. وتحوّلت نتائج البحث إلى موضوع للتساؤلات حول احتمال توظيف الطريقة، في استعباد البشر!، وأظهرت الأبحاث على قرود الريص، وهي قرود هندية قصيرة الذيل، أنه يمكن ولأول مرة تغيير سلوك المخلوقات بشكل لا رجعة فيه، وتحويلها من مخلوقات عدائية إلى مخلوقات “طائعة”. ويتشابه الجين الذي أخضع للتغيير مع جين يوجد لدى الإنسان. وكان العلماء قد شرعوا في بحثهم أصلاً لعلاج حالات الأمراض العصبية لدى الإنسان، ونجح العلماء أثناء تلاعبهم الجيني في قطع الصلة بين عمل المخلوقات وبين حاجتها إلى نوع من المكافأة مقابل ذلك العمل.
إذاً فمسلسل التلاعب الجيني أشبه بمسلسل “طاش ما طاش” في أهدافه الظاهرة والمبطنة والسطحية والعميقة، أو الأهداف الكيدية واللا أخلاقية، حيث إنّ التلاعب إن مس الإنسان عبث بالجينات الوراثية والجينات البشرية، أضف إلى ذلك التلاعب بمقدرات الدول وبالمناصب وبالحقوق وبأشياء كثيرة يتم تعتيمها، وبالتالي إن استمر الصمت، على خوف، تمادى الشر واستشرى وأصبح سلوك مواطن في دولة.
bela.tardd@gmail.com -- -- p.o.Box: 10919 - dammam31443Twitter: @Hudafalmoajil