إن مثلنا الشعبي (مالك إلا خشمك لو هو أعوج) أصبح خارج الخدمة، مع وجود عمليات التجميل التصحيحية، ومعايير المجتمع المتجددة، تلح على أهمية المظهر الشبابي وجمال الصورة، مما يجعل عمليات التجميل مطلبًا يدور في خلد البعض، فهناك أفراد من المجتمع عندما ينظر في المرآة يتمنى لو استطاع أن يعدل شيئًا ما في شكله، مثل أنف بارز، دوالي تحت العينين، تجاعيد وخطوط رفيعة. وقد صدرت فتاوى بتحريم عمليات ألتجميل، إن لم تكن هناك أسباب صحية تحتم ضرورتها، ولكن هل الحاجة النفسية، الملحة تندرج تحت الضرورة الصحية؟ أم هو تحايل؟
والكذب هو صناعة صوره مغايرة لحقيقة نعلمها، وأحيانا تكون نزعة الكذب متأصلة في تركيبتنا الثقافية، عندها يصل بنا الحال إلى الكذب دون أن نشعر أنه كذب، وهذه حاله فريدة من نوعها، وسيترتب عليها، خداع أنفسنا وخداع الآخرين، ومثال على ذلك (الأحمق: نصر الدين جحا) عندما وقف أمام بيته وصار يخبر المارة بأنه يوجد وجبة عشاء في آخر الشارع، ثم دخل منزله وبعد فتره خرج ورأي الناس يركضون فسأل الناس، ما الخبر؟ فقالوا له يوجد عشاء في آخر الشارع، فانطلق يركض معهم!!، والبعض، يتصور أن الكذب مؤشرا على الذكاء، أو مهارة في الإدراك، وأحيانا، نكذب، للمحافظة على كبريائنا من الخدش، وحفظ الذات، أو نكذب، لتلميع صورتنا، وأحيانا، نكذب، عن إنجازاتنا الشخصية أو مهاراتنا العملية، لنحض باحترام الآخرين، أو نكذب، للتستر على أخطائنا، أو إهمالنا، خوفا من اهتزاز صورتنا أمام الآخرين، أو هروبا من العقاب، وأحيانا نكذب لتفادي جرح شعور الآخر، أو المجاملة والمدح، مما يضمن لنا حسن السمعة عند الآخر.
والدكتور أنور البلكيمي عضو مجلس الشعب المصري، عن حزب النور السلفي، الذي أقاله الحزب أو اضطره إلى الاستقالة، بعد عملية تجميل في أنفه، الناتئ، وسرب صورا إلى وسائل الإعلام، وهو منقب بالضمادات أغلبها على أنفه ووجنتيه، وادعى أن أنفه مصاب على يد مجهولين هاجموه وسرقة 100 ألف جنيه منه، وأثبتت التحقيقات بعد ذلك وشهادة الطبيب والممرضين، كذب ادعاءاته، وأنه غادر المستشفى، فجأة، في منتصف الليل، ظهرت بعدها صورة بالضمادات، في الإعلام، وأن الفتوى لدي الحزب السلفي بتحريم عمليات التجميل، هي سبب ادعاءاته الكاذبة.
ولقد كان متاحا للدكتور أيمن، عندما وصلت حاجته النفسية، لتجميل أنفه الناتئ، إلى ضرورتها القصوى، أن يستقيل من حزبه السلفي، الذي يحرم عملية التجميل إلا لأسباب صحية تحتم ضرورة عملها، وينضم إلى أحد الأحزاب الأخرى، والتي لا توجد فيها فتاوى مقيده، ويستطيع عندئذ، عمل العملية تحت عنوان (ضرورة الصحة النفسية)، والتحايل الديني الفاشل الذي انتهجه الدكتور أيمن البلكيمي، يكشف عيب الموروث الثقافي، المتأصل في نموذج الدكتور أيمن (النمطي)، حيث يسود الاعتقاد، أن النفاق، وسيلة سارية المفعول، لتحقيق الممنوعات الدينية المفروضة، ويغفل (ذلك النمط) أن العصر الحديث مجهز بكشافات النفاق: مثل أجهزة المحمول المزودة بالتصوير، الرسائل النصية، التواصل الاجتماعي والتراسل الالكتروني، وربما أن خبر عملية، تجميل أنفه، أنتقل بين أعضاء حزب النور السلفي، قبل أن يفيق، الدكتور أيمن، من العملية، القيمة المضافة في العصر الحديث، لم يعد بالإمكان، لنجوم ورموز المجتمع، (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان). وأن ألشفافية والنفاق ضدان. واختيار الدكتور أيمن لأكثرهما تناغما مع تركيبته الثقافية وتربيته الدينية، حقق له رغبته النفسية لتجميل صورته الخلقية، ولكن تسبب له تلف في صورته الخلقية.
khalid.alheji@gmail.comtwitter @khalidalheji