إن المتتبع لتاريخ أسرة آل إبراهيم منذ بداية علاقتهم بالأسرة السعودية الحاكمة في عهد الإمام فيصل بن تركي يجد أن هذه العلاقة لم تنقطع طوال هذا التاريخ وتزداد قوة ورسوخاً مع الأيام حتى بلغت أوجها في عهد الملك عبد العزيز «طيب الله ثراه» الذي منح ثقته الغالية لهذه الأسرة الكريمة من خلال اختياره لعبدالعزيز بن إبراهيم ليكون واحداً من رجاله الأوفياء الذين اعتمد عليهم في تأسيس كيان المملكة الشامخ وإرساء دعائم وحدتها، فكان ابن إبراهيم واحداً من النماذج المميزة لما يجب أن يكون الجندي نذر حياته في سبيل دينه ومليكه ووطنه.
ولم تكن وفاه عبد العزيز بن إبراهيم في رجب 1365هـ خاتمة الأدوار الوطنية التي اضطلعت بها أسرة آل إبراهيم في التاريخ السعودي القديم والمعاصر فما هي إلا سنوات قلائل حتى كانت هذه الأسرة تتهيأ لدور آخر في خدمة الدولة, وهذه المرة هو نجله إبراهيم بن عبدالعزيز بن إبراهيم الذي كان يسير على درب أبيه وينسج على منواله ولاغرو فهو تلميذه النجيب الذي تخرج من مدرسته وفي هذه المدرسة تلقى فنون الإدارة والصدق والوفاء والكرم وحسن معاملته للناس وهي كلها صفات أصيلة جبلت عليها نفسه الصافية فوافق الطبع التطبع وساير المكتسب الفطرة وامتزجت التعاليم والمبادئ التي تعلمها على يد والده الجليل بالقيم والأسس المستقرة داخل نفسه والمستكنة في صميم روحه.
ولد إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم عام 1335هـ في الرياض وقد اهتم والده بتربيته اهتماما كبيرا حيث تربى في المدينة المنورة في كنف والده عبدالعزيز وكانت تلوح عليه علائم الفطنة والذكاء والطموح، فقد تعلم في المدينة المنورة بالمدرسة الناصرية أشهر مدرسة بها قرب المسجد النبوي بباب المجيدي وبعد مدرسة الناصرية انتقل إلى الدراسة في مدرسة العلوم الشرعية مدة سنة كاملة وواصل ثقافته دراسة ومطالعة وكان يتابع أعمال والده في إمارة المدينة المنورة فصار من النضوج على مستوى مرموق يؤهله لأن يتولى أعمالاً في خدمة دينه ومليكه وبلاده.
وقد تدرب على يد والده الذي كان مدرسة في الإدارة وكان من الأمراء ذائعي الصيت في تلك الحقبة ولاشك في أنه قد اكتسب خبرات متميزة أثرت حياته العلمية لذلك عندما بدأ يزاول أول عمل رسمي له عام 1371هـ عندما عين أميراً للقنفذة لم يكن العمل وخصوصاً في الإمارات جديداً عليه فقد تدرب ومارس العمل في إمارة المدينة وقد أورد الدكتور إبراهيم الزيد في بحثه عن الأمير عبدالعزيز بن إبراهيم آل إبراهيم أنه كان يوقع بعض المعاملات اليسيرة.
ويضيف الدكتور إبراهيم الزيد الذي عمل مع معاليه في إمارة الباحة وكيلاً للإمارة أن معالي الأمير إبراهيم قد استمر في العمل في الدولة ما يقارب من أربعين عاما كان فيها مثالا أعلى للنشاط والإخلاص في خدمة بلاده، وأسهم بشكل ملموس في استتباب الأمن في المناطق التي عمل فيها كما سخر خبرته الواسعة في تنمية وتطوير تلك المناطق والبلدان ولم يترك قرية ولا مدينة ولا جبلاً ولا وادياً ولا شاهداً إلا وقف عليه بنفسه وقفة الباحث والمخطط والمتأمل حتى أصبح بحق خبيراً واسع الدراية في غرب وجنوب المملكة، إلى جانب خبرة عظيمة في الأمن الداخلي وشؤون الإمارات وأنشأ جمعية البر الخيرية بمنطقة الباحة ودعم كما أنشأ الكثير من المساجد وكان صاحب خلق وشيم كريما حازما في عمله طيب المعشر يبغض النميمة واسع الثقافة والدراية في العلوم الدينية والأحكام الفقهية والأدب والتاريخ لا يطرق بحضرته أي موضوع إلا يكون لديه ما يضيفه إليه ويفيض على سامعه من معارف جمة وله ذاكرة قوية له إحاطة كاملة بالأسر والعوائل وأفرادها في المملكة العربية السعودية متفوق جداً في عملة الإداري والأمني لا تعرض عليه معاملة إلا يقلبها ويستوعبها في زمن قياسي فيعدل بقلمه ما يراه من ملاحظات أو أخطاء بل كثيراً ما يعدل في الأوراق والقضايا ويردها إلى مسارها الصحيح يدرك الخطأ ويكشفه بما يشبه الإلهام يسافر من مكان إلى آخر لكي يقف على موقع ولو بعد له قضية حتى يتصور موضوعه ويعرفه عن قرب فيكون التوجيه بناء على تصور واضح..
وقد بدأ حياته العملية أميراً للقنفذة واستمر فيها حوالي عشر سنوات ونقل منها عام 1381هـ ليعمل وكيلا لإمارة منطقة مكة المكرمة ثم نقل منها في عام 1389هـ ليعمل مستشاراً لصاحب السمو الملكي وزير الداخلية، وفي عام 1390هـ عين وكيلاً لإمارة منطقة عسير ثم عين أميراً لمنطقة الباحة في 1398هـ حتى وفاته يرحمه الله في عام 1406هـ. يقول الأستاذ علي بن صالح السلوك إنه بعد صدور الأمر السامي الكريم بتعيينه أميراً على منطقة الباحة في العام 1398هـ وبعد مباشرته لأعمال الإمارة وجد أن المنطقة قرى متناثرة متباعدة لا تصل السيارات إلى معظمها ولا وجود للهاتف ولا للخدمات الأساسية كما وجد أن من عوامل تأخير لنمو المنطقة هو أن فروع الوزارات المختلفة وخاصة الخدمات مرتبطة بفروع أخرى في مكة المكرمة وجدة وعسير والطائف والليث والقنفذة وكانت أولى خطوات التطوير مطالبته «يرحمه الله» بأن تكون فروع الوزارات والمؤسسات العامة مرتبطة بالوزارات والمؤسسات الأم في الرياض وقد تحقق هذا المطلب المهم، وقام بعد ذلك بزيارة ميدانية لجميع قرى ومدن المنطقة استغرقت أكثر من شهر سجل خلالها ملاحظاته عن كل جزء قام ولم يكتف بإعداد التقرير ورفعه إلى الجهات المسؤولة بل تابعه شخصيا وأرسل صورا منه إلى الوزراء المختصين ووكلاء الوزارات مما جعل مجلس الوزراء الموقر يناقش احتياجات المنطقة في إحدى جلساته عام 1398هـ كما أنه لم يكتف بذلك بل وجَّه دعوة لجلالة الملك خالد لزيارة المنطقة ولظروف جلالته الصحية فقد أناب عنه سمو ولي عهده (الأمير فهد) الذي وصل إلى المنطقة في أواخر عام 1398هـ واطلع على احتياجات المنطقة ووجه كل وزير من الوزراء المعنيين الذين كانوا يرافقونه في الزيارة إلى الاهتمام فيما يخصه. وبفضل من الله واهتمام من حكومة خادم الحرمين الشريفين ومتابعة مستمرة من منه تحقق لمنطقة الباحة (كما هو الحال بكافة مناطق المملكة) خلال السنوات التي تلت تعيينه حتى وفاته مشاريع عديدة هامة:
1- إنشاء مقسمات الآلي في الباحة وبلجرشي والمندق والاطاولة وبني ظبيان والقرى المجاورة.
2- إنشاء محطة للبث التلفزيوني وكان بعض شباب المنطقة يقضون سهراتهم في رؤوس الجبال لمشاهدة البث التلفزيوني في أقرب المحطات.
3- إقامة مستشفى عام من أحدث المستشفيات في المملكة لخدمة سكان المنطقة.
4- إحداث مديريات عامة للشؤون الصحية وتعليم البنات ورعاية الشباب والبريد والاتصالات والجوازات وغيرها من مديريات الأمن الداخلي.
5- إنشاء مطار الباحة.
6- فتح طرق مزفلتة تربط أجزاء المنطقة بعضها ببعض.
7- بناء واحد وعشرين سداً في أماكن متفرقة من المنطقة.
8- إحداث فروع جديدة لبعض الوزارات والمصالح منها.
9- إحداث مديرية للتعليم.
وكان لا يسرع في اتخاذ القرار ما لم تتوافر له المعلومات اللازمة لإصداره، فقد كان يطلب من مكتبه في الإمارة تزويده بمعلومات عن المرضى والمتوفين من أبناء المنطقة ليقوم بزيارة المرضى ومواساة أسر المتوفين.
وقد لاحظ يرحمه الله أن المهور في بعض أجزاء المنطقة مرتفعة وأن تكاليف الزواج باهظة وأن متوسطي الحال لا يستطيعون الزواج، فدعا مشايخ وأعيان القبائل إلى الاجتماع بأفراد قبائلهم والاتفاق على تخفيض المهور وتكاليف الزواج فاتفق الأهالي على ذلك وسجلوا اتفاقياتهم شرعاً.
وحتى يضرب المثل والقدوة فقد تم زواج ابنه سعود في الباحة وقام بتوجيه الدعوة لمشايخ وأعيان المنطقة لحضور حفل الزواج وعند اكتمال حضور المدعوين قدمت لهم القهوة والشاهي والمرطبات ثم قام وألقى كلمة مختصرة قال فيها:
لقد قررت أن أدفع تكاليف وليمة الزواج إلى جمعية البر الخيرية في الباحة ليستفيد منها أكبر عدد من المحتاجين وآمل من كل قادر أن يعمل مثلما عملت واكتفى بالقهوة والشاهي وبعض المرطبات وقد استحسن الجميع هذه البادرة.
توفي -رحمه الله- في 1406هـ عندما جرف السيل سيارته في وادي العش في منطقة حائل وكانت وفاته صدمة كبيرة لأصدقائه ومحبيه ومعارفه وقد نعاه الديوان الملكي في بيان أعلن فيه وفاته.
متعب بن صالح الفرزان
المرجع: رجال حول الملك عبد العزيز د: عبدالله بن سعيد أبو راس