هناك بلدان إسلاميان تحررا من الديكتاتورية و يحاولان إعادة تعريف خطوطهم الخاصة التي تربط ما بين المسجد وما بين الدولة. ففي مصر وتونس تقود الأحزاب الإسلامية - التي فازت في انتخابات ما بعد الثورة - الجهود لكتابة الدستور الجديد، فاختياراتهما سوف تؤدي إلى إعادة رسم الشرق الأوسط إذا ما قررا أن الإسلام يجب أن يكون متوافقًا مع الديموقراطية، وليس أي خيار آخر.
وقد أعلن حزب النهضة التونسي، الحزب الأكبر في البلاد أن الدستور يجب أن يعترف بأن الإسلام هو دين الدولة كما كان الدستور القديم، ولكن الحزب فضل أن يوحد بين كل التونسيين وأن يضرب مثلاً للدول العربية التي تخوض المرحلة الانتقالية، كما وضع الحزب امرأة على رأس اللجنة المنوط بها تحديد الحقوق والحريات في البلاد.
أما في مصر فالإخوان المسلمون الذين أصبحوا أكثر براجماتية في العقود الستة الأخيرة من الحكم العسكري منذ جمال عبدالناصر وحتى مبارك، قرروا أن يستخدموا أغلبيتهم البرلمانية من أجل الهيمنة على عملية كتابة الدستور، كما دفعوا أيضًا من أجل أن يكون لهم مرشحهم الرئاسي في الانتخابات القادمة وأن المرشح يجب أن يكون له «خلفية إسلامية».
ولكن على الرغم من ذلك لا يزال هناك سجال كبير في العلاقة السياسية المستمرة بين الإخوان المسلمين والجيش وشباب الثورة الذي قاد التظاهرات ضد حسني مبارك؛ كما أن معظم المصريين يعيشون في الريف ولا يهتمون بالديموقراطية قدر اهتمامهم بوجود حكومة غير فاسدة واقتصاد نام، لذا فإن الرئيس الجديد القادم إلى مصر سوف يواجه تحديًا صعبًا في تحقيق تلك الآمال.
حتى الآن أدى عدم القدرة على إصلاح الاقتصاد إلى إحجام الإخوان المسلمين عن تصدر المشهد بصورة منفردة، كما حدثت الكثير من الانشقاقات داخل الجماعة مما يكشف عن وجود صراع صحي للأفكار حول دور الإسلام في تعريف هوية مصر الجديدة التي بها مسيحيون أقباط يمثلون 10% من السكان.
كل من مصر وتونس لديهما نموذج يوضح أبعاد المواجهة الطويلة والصعبة للإسلام مع الأفكار الغربية للحرية والتعددية، وهناك النموذج الإيراني الذي عمل فيه الملالي منذ عام 1979 على تشويه النظام الديموقراطي، بينما في تركيا حكم حزب العدالة والتنمية الإسلامي البلاد منذ عام 2002 بسياسات أكثر ليبرالية. كما أن تركيا - التي كانت في السابق مقرًا للخلافة العثمانية الإسلامية - مدحت أمام الإخوان المسلمين في مصر فضائل العلمانية الديموقراطية، كما قامت بتوبيخ الحكومة العراقية بهدف تقليل التوتر مع الأقلية السنية، كما ناشدت تركيا كلاً من إيران والعراق ولبنان بأن يرفعوا أصواتهم ضد العنف في سوريا.
لقد استغرق الأمر قرونًا والعديد من الحروب بين المسيحيين في أوروبا قبل أن يتوافقوا مع الديموقراطية، فهل دول الربيع العربي في الشرق الأوسط الآن تسير على الطريق نفسه؟!
- افتتاحية (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية.