* أعجبتني إجابة الأمير (عبد الله بن فيصل بن تركي)، الرئيس السابق للهيئة العامة للاستثمار، عندما سُئل في برنامج الثامنة مع داود الشريان في (MBC1) قبل عدة أيام. كان السؤال: لماذا تركت العمل في الهيئة العامة للاستثمار..؟ فماذا كانت إجابة الرجل القيادي الذي كان رئيساً لهذه الهيئة؟
قال: فشلت في تحقيق نتائج توازي المجهود المبذول لي وللزملاء.
* الحقيقة أني لا أذكر قبل اليوم؛ مسئولاً وقيادياً استقال من منصبه، إلاّ أن يحال على المعاش أو يقال، عوضاً عن قيادي ومسئول يتصف ببطولة وشجاعة الأمير ( فيصل بن عبد الله بن تركي )، الذي أظهر الصدق، وأبرز تصالحه مع ذاته، وهذه هي قمة المسئولية، أن يتصف المسئول بالصدق والتوازن والشجاعة والبطولة، وأن يتحمل فشله وأخطاءه، لا أن ينسب لنفسه كل النجاح، وأن يرمي على غيره كل الفشل.
* إذا كانت مفردة (استقال)؛ تمت بصلة قربى للاستقلال والحرية في لغة الضاد، فإنّ الموظف الذي يصبح بحكم المسئولية قرين كرسيه الدوار، وعبداً لإحباطاته وفشله، أو حتى عدم انسجامه مع بيئة العمل، وعدم رضاه عن وضعه الوظيفي، هو محق في طلب الحرية من هذه العبودية، وفي السعي لفك الأسر من القيد الوظيفي، ليصبح حراً طليقاً، هذا إذا توفّرت فيه شجاعة الموظف الأمين، والصادق الذي لا يتشبّث بوظيفة لا ينتج عنها سوى الفشل.
* تمنّيت لو كان لدينا عدد أصابع اليدين من مثل الأمير (فيصل بن عبد الله)، ومن مثل الشيخ (صالح بن عبد الله الحميد)، رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً، الذي تنحّى بكل مسئولية وشجاعة. نحن فعلاً في حاجة ماسة للتأسيس لـ (ثقافة الاستقالة) في المجتمع الوظيفي. إنّ حاجتنا قائمة للوعي أولاً؛ بالدور المطلوب من الموظف كبيراً أم صغيراً، ما دام أنه يشغل وظيفة رسمية، فإذا أخفق وفشل في متطلّبات وظيفته، وجبت محاسبته علناً، أو (يأخذها من قصيرها)، ويستقيل. الاستقالة خير لهم لو كانوا يعلمون.
* قصور ملحوظ وفاضح نشهده في مؤسسات لها علاقة مباشرة بالجمهور، ونتابع إفرازات وسلبيات كل ذلك كل يوم، وفشل ذريع يسجّل في عدّة قطاعات علمية وصناعية واقتصادية وثقافية وتربوية وخدمية وغيرها، لماذا يبقى المسئولون عن هذا القصور وهذا الفشل..؟ وإلى متى؟
* إنّ بقاءهم على كراسيهم المهترئة، لا يبقي الحال على ما هو عليه فقط، ولكنه يزيد القصور قصوراً، ويزيد الفشل فشلاً، ويمدد في أعمار الفاشلين، على حساب أعمار وراحة بقية أبناء الوطن.
* لماذا لا يسارع إلى (خير) الاستقالة، وإلى (فضيلة) التنحِّي، مديرو جامعات تعرّوا أمام الملأ؛ بفشلهم في قيادة صروحهم، وفي مقدمتهم مدير جامعة الملك خالد في عسير على سبيل المثال..؟!
* لماذا وإلى متى؛ يصر الفاشل على فشله، ويصر العاجز على عجزه، وتظل مكنة الفشل والعجز، تطحن مقوّمات الوطن، وتأكل جهود القيادة العليا، وتبعثر أحلام المواطنين..؟
* ليس كل من تقلّد وظيفة أو تحمّل مسئولية سيئاً، هناك من يأتي إلى بيئة عملية ووظيفية فيكتشف أنه في المكان الخطأ. إذا وجد أحدهم نفسه في أجواء موبوءة وغير جيدة، وهو غير قادر على التغيير للأفضل، فما الذي يجبره على البقاء؟! تحمّل مسئوليتك نحو الإصلاح المفترض، وخذ قرارك واشتر نفسك واستقل، سوف تجد في الاستقالة حريتك، وسوف تفتح الأعين على هذه البيئة، وسوف يأتي من هو أقدر منك لإصلاح الخلل فيها لا محالة.
* إنّ قمة التصالح مع الذات، وتحمُّل المسئولية الملقاة على الموظف القيادي أياً كان وأينما كان، أن يتصف بالشفافية منذ أول يوم يستلم فيه عمله. إما أن ينجح أو يفشل. من حقه أن نصفّق له ونقول له أحسنت إذا نجح، ومن حقنا عليه أن يستقيل ويترك إذا فشل، لكي يفتح المجال لمن هو أكفأ وأقدر.
* المعضلة ليست في تشبُّث الفاشلين بكراسيهم، وإصرار العاجزين على عجزهم فقط. المشكلة الكبرى، أنّ لهذا الصنف من المعطلين والمثبطين؛ حواريين وأنصاراً في هرم قياداتهم العليا، وفي الوسط المحيط بهم، من زمرة الفاشلين الذين لا يجدون فرصاً للعمل إلاّ مع هذا الصنف العاجز.
* إذا تسبّب وزير من دول أوروبية في قتل قطة أو قطع شجرة، ملك شجاعته، وقدم استقالته، احتجاجاً على خطئه هو أولاً، وانتصاراً لمواطنيه الذين كانوا ينتظرون منه إحياء قطة وزرع شجرة، لا قتلهما.
* علينا أن نغرس بيننا بذور ثقافة الاعتراف بالخطأ والاستقالة. كلما أكثرنا من هذا الزرع ووالينا سقيه بوعي، اقتربنا أكثر من تحقيق جودة وظيفية أفضل، وموظف قيادي بطولي وشجاع، يقول دون خجل: لقد فشلت، وها أنا أرحل.
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com