|
آني برنارد*
باتت سورية أسيرة للعنف والمستقبل المشئوم، ويرى محللون ودبلوماسيون وسوريون منخرطون في مقاومة الرئيس السوري بشار الأسد أنه مع القدرة النيرانية الكاسحة والرغبة في القتل لدى الرئيس السوري فإنه يستطيع البقاء في السلطة لشهور وربما لسنوات مقبلة، كما يستطيع حرمان المعارضة من السيطرة على أي مساحة من الأرض السورية ومن أي فرصة لتطوير قيادة متماسكة وفعالة لها.
في الوقت نفسه يقول محللون سوريون وإقليميون ان القوة العسكرية فقط لن تتيح للرئيس السوري القضاء على حركة التمرد المناوئة له التي أصبحت أكثر انتشارا ويصعب التنبؤ بتطورها. فالمعارضة السورية أصبحت قادرة على توجيه ضرباتها إلى النظام على الرغم من استخدام هذا النظام القوة الباطشة ضد معاقل المعارضة مثل حمص وإدلب ودرعا. فقد أصبحت مساحات واسعة من سورية معادية للقوات الحكومية ونجح المسلحون في مهاجمة مراكز أمنية حكومية مهمة حتى في قلب العاصمة دمشق.
ولكن مع استمرار نزيف الدماء وجمود التحركات الدبلوماسية ورفض الجانبين التفاوض لا يوجد أي مسار واضح للخروج من الأزمة. وهذا يجعل الموقف في سورية مختلفا تماما عما حدث في الدول العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي، حيث لا تبدو الثورة الشعبية قادرة على الإطاحة بنظام الحكم وكذلك لا تبدو في الأفق أي إمكانية للتدخل الدولي. لقد أصبح الموقف أشبه بحرب استنزاف تتزايد خطورتها مع استمرارها.
يقول كثير من السوريين إن الأسد لن يستطيع التوقف عن القتل وفي الوقت نفسه لن يستطيع ممارسة الحكم كما كان الحال قبل انطلاق حركة المعارضة بعد أن أصبحت سلطته قائمة على خليط من الطائفية وأصحاب المصالح الاقتصادية والخوف. ولو تخلى بشار الأسد عن قمعه فسوف يطالب المواطنون بخلعه بحسب ما يراه الكثيرون من السوريين.
وقد بدأت أصداء الصراع الطائفي الطويل في سورية تتردد في مختلف أنحاء المنطقة التي تشهد بالفعل تغيرات في معادلاتها الجيوسياسية. فالتوترات انتقلت بالفعل عبر الحدود إلى لبنان والعراق وتركيا والأردن.
في الوقت نفسه فإن احتمالات النهاية السريعة لهذه الأزمة سواء برحيل الأسد أو بقيام انقلاب داخلي تبدو ضعيفة للغاية بحسب محللين نظرا لان الأسد يعيش في عزلة كبيرة ولا يتصل إلا بدائرته الصغيرة فهو يتصور أن استراتيجيته تحقق نجاحا وبالتالي لا حاجة لديه في التفكير في التنحي.
مسؤولو الأجهزة الأمنية الذين يمكنهم الإطاحة به يؤمنون أن مصيرهم ارتبط بمصيره. وفي الوقت نفسه فإن الشعب عانى كثيرا بحيث لن يرضى بمجرد انقلاب عسكري من داخل النظام القائم. فهو يريد إسقاط النظام الأمني كله وربما الانتقام منه.
يقول بيتر هارلنج الباحث في مجموعة إدارة الأزمات الدولية: الاعتماد على القوة يؤدي إلى نتائج على المدى القصير لكنها بتكلفة عالية، حيث تتآكل قاعدة شعبية الأسد نتيجة انهيار اقتصاده. وقد قال بعض أعضاء معسكر الأسد الذي يضم النخبة الاقتصادية من الطائفة السنية والأقلية المسيحية وموظفي الدولة وشباب المدن من ذوي الطموح السياسي، الأسبوع الماضي إنهم فقدوا ثقتهم في الحكومة ولم يعودوا يؤمنون بقدرتها على تحقيق النصر على المعارضة.
تقول السيدة ريم وهي تعمل في القطاع الصحي التابع للحكومة السورية إنها ظلت لوقت طويل تدعم الرئيس الأسد ولكنها الآن أصبحت تعالج المتظاهرين في المستشفى الميداني. وتلخص ريم الخيارات المتاحة أمام الرئيس السوري بالقول «إما قتل كل السوريين المعارضين له أو مغادرة البلاد في سلام من أجل بقاء سورية».
بعض العلاقات الاقتصادية الغامضة للحكومة السورية أصبحت غير فعالة. ففي مكتب لتجارة العملة بوسط العاصمة دمشق أصبح المواطنون أكثر إقبالا على شراء الدولار. يقول أنس صاحب المكتب البالغ من العمر 25 عاما إنه تم القبض في وقت سابق من الشهر الحالي على بعض تجار العملة في السوق السوداء لأنهم انتهكوا «اتفاق ودي» مع السلطات بالإبقاء على سعر صرف الدولار في السوق السوداء قريبا من السعر الرسمي. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار السكر وغيره من السلع الأساسية حيث ارتفعت الأسعار خلال الأسابيع الأخيرة بأكثر من ارتفاعها طول العام الماضي.
يقول يوسف وهو موظف حكومي عمره 40 عاما «لست ضد الأسد لكنني لا أستطيع دعم حكومة بشار الأسد التي لا تقدم شيئا لي». وأضاف أنه فقد أعصابه مع صاحب متجر عندما سأله عن سعر وقود الطهي ليشتري عبوة فجعله ينتظر لكي يجري اتصالا هاتفيا يسأل فيه عن سعر الدولار قبل أن يحدد له سعر الوقود وهو أسلوب شائع هذه الأيام في المتاجر السورية.
ويقول إن الحكومة «تبيع لنا دعاية حمقاء عندما تدعي أنها تحقق النصر» في حمص وبابا عمرو أو إدلب. ولكننا نحتاج إلى الطعام والكهرباء وليس مجرد وعود معسولة.
أما رجل الأعمال بلال الذي يعرض بفخر صورة لوالده مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد والد بشار فيقول «نحن نحتاج إلى حل سواء استمر بشار الأسد في السلطة أم لا. فنحن لا نريد أن نمضي عمرنا كله في مظاهرات تأييد الأسد». وبالفعل فإن الكثيرين من رجال الأعمال السنة غيروا مواقفهم وأصبحوا يدعمون الثوار ويقدمون المال للأسر التي قتل رجالها في الاحتجاجات بحسب هارلنج.
يقول هارلنج الذي عاش بعض الوقت في سورية إن مستوى ثقة الأسد في جيشه الذي يعتمد على المجندين غير واضح. وسواء كان الأمر اختيارا أو ضرورة فإن هذه القوات تنتقل من مدينة إلى مدينة لمواجهة التمرد بدلا من محاولة شن هجمات متزامنة. وتعود هذه القوات وهي ترفع أعلامها وكأنها عائدة من معركة ضد عدو أجنبي.
ويضيف أن الأسد لا يبدو حريصا على استعادة علاقاته بالطبقة العاملة من الطائفة السنية في المدن التي دمرتها المعارك وإنما بات يعتمد بدرجة أكبر على الأقلية العلوية التي ينتمي إليها وكذلك الأقلية المسيحية التي تمثل حوالي خمس عدد سكان البلاد. ولكن حتى الإصلاحات البسيطة التي وعد بها الأسد ستكون على حساب حلفائه من هذه الطوائف. فقد أعرب المسيحيون عن غضبهم من الدستور الجديد الذي تم إقراره مؤخرا حيث نص لأول مرة على أن يكون رئيس البلاد مسلما.
* (نيويورك تايمز) الأمريكية