سبق لنا وأن تكلمنا كثيراً في طرح سابق عن سلوك العنف وأنماطه وتنويعاته المختلفة وسبق لنا في جدليات مصطلحية ومفاهيمية مع ما لدينا من مهنية تعدت الأربعين عاماً إلى أن وصلنا لنواتجه الملموسة في إبداع بعض من نماذج لمرتكبي هذا السلوك غيرالسوي في دور الملاحظة والتوجيه الاجتماعي والمؤسسات العقابية، ومع هذا لم يتوقف العنف حتى ولم تتراجع نسبته؛ بل تراه يتفاقم وتزداد وتيرته ولم يكن قاصراً على فئة أو نوع أو مرحلة عمرية خاصة، أو ممارسة نمط سلوكي بعينه لكنه لم يصل بعد لكونه ظاهرة اجتماعية لكنه نوبة تعطي إنذاراً للتشكل متعدد الأبعاد والمدخلات، ويدعو للاهتمام والتأمل فالدراسة والتحليل.
وعلى الرغم مما يقوم به الإعلام مشكوراً - إلا أن مجهودات مراكز البحوث الاجتماعية والتربوية والأمنية لم يكن مردودها كافياً ولم ترق إلى مستوى التدابير الأمنية ذات العائد السريع..
نقول هذا لما نراه حادثاً - الآن - في الشارع السعودي من مسلكيات تتسم بالغلظة والعنف.. مما حدا ببعض لأن يلوموا أجهزة الضبط المختلفة، حيث يرون أن آلياتها ليست إيجابية في مواجهة هذا العنف السلوكي المستشري في العديد من منظماتنا مؤسساتنا حتى بلغت المؤسسة التعليمية ذاتها المسؤولة عن التنشئة الاجتماعية.. وامتدت هذه السلوكيات المشبوهة إلى الأماكن العامة.
هذا السلوك المشبوه سواء قام به قلة مراهقة أو بعض الشباب الذين يستهوون التقليد أو المحاكاة أو التماهي بالآخر.
إلا أنه سلوك يشوه سمعة مجتمعنا وثقافتنا وقيمنا وأخلاقنا الإسلامية، فهو سلوك ممجوج وغير مرغوب فيه.. سلوك يهدر ويكدر أمن المجتمع، ويؤدي إلى توتر واضطراب المواطنين.
إذن علينا أن نساهم جميعاً في تفعيل سبل المواجهة الحاسمة لممارسات أعمال العنف في إطار المحددات الشرعية والإجراءات النظامية، كما أننا نوصي مؤسساتنا التنشئة الاجتماعية ببذل المزيد من الجهد والتفاني والتضحية فهي الركن الركين في المنظومة التربوية المسؤولة عن دعم الذات الوطنية بتاريخها الوطني المجيد وحضارتها الإنسانية.
وعلى هذه المؤسسات أن تراجع أساليبها التربوية ومعدل أدائها الخططي والمنهجي والبرامجي لمواجهة تلك السلبيات التي تبرز - جهاراً عياناً على أرض الواقع لسلوكيات العنف المختلفة التي يشهدها المجتمع والتي تهدد مقومات الأمن والاستقرار الحياتي وذلك لإمكانية الاستمرارية والتواصل في التنمية والبناء والإعمار بما يكفل لمجتمعنا ما يستحقه من نهضة وتقدم، ولتبقى السعودية منارة على الخريطة العالمية مما يؤكد رفعة هذا الوطن الذي نعيش فيه ويعيش فينا؛ إذن من المهم والضروري، بل المحتم القيام بعمل تكاملي متوازن وفي تفاعل دائم بين مؤسسات المجتمع المسؤولة عن التنشئة والضبط الاجتماعي لكي تتمكن من مواجهة سلوكيات الشارع غير المرغوب فيها، وعليها أن توفر الكوادر العلمية المهنية الماهرة، وأن تضع أساليب وبرامج تربوية وتوعوية حديثة على أن تقوم بتطويرها بصفة مستمرة لتحقيق ما هو متوقع منها.
