حين سخر مثقفون في شبكات التواصل الاجتماعي من (بوكيه) الورد الذي زعمت الفنانة الإماراتية أحلام أنها تلقّته هدية من السفارة السعودية في بيروت.. احتفل بعض خصومهم طرباً معلقين بأن هؤلاء المثقفين مشغولون ببرنامج تافه وأن أمثالهم لابد وأن يكونوا مهمومين بالشأن العام ليل نهار!
أياً ما يكون الموقف من هذا البرنامج وأشباهه فإن هذه الرؤية تنطلق من فكرة استعلاء المثقف على طبيعته الإنسانية باعتباره مختلفاً عن الآخرين، وعليه فلا ينبغي أن يتجاوز دوره الثقافي، تماماً كالطبيب الذي يقضي حياته في عيادته ينتظر المرضى فقط... ولو أمعنّا النظر لوجدنا أيضا أن هذا التأطير الاجتماعي للمثقف يساهم في عزله وإقصائه في برج عاجي لا يستطيع فتح أبوابه إلا القلائل منهم!
غير أن الدفاع عن الطبيعة البشرية للمثقف تستلزم أيضا استشعارهُ المسؤولية في تمثيل وعيه داخل المجتمع... فلا ينبغي أن يشارك في عبث الكتابة على الجدران مع الصبية.. أو استغلاله كمنصة لترويج الإشاعات أو تصفية الحسابات بين طرف وآخر.. وقد ساءني اندفاع بعض المثقفين السعوديين بالسخرية من السفارة السعودية في بيروت، وتبنّيهم رواية « البوكيه» فور إطلاقها باعتبارها مسلّمة وحقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش أو المراجعة.. رغم أن أبسط أبجديات المنطق تستلزم التشكيك فيها بداهة... فضلاً عن الانتظار للتأكد من مدى مصداقيتها قبل أن يكون المثقف فضلاً عن الإنسان العادي (أول الطايرين في العجه) كما يقول المثل الشعبي.
العتب على المثقفين ينبع من استشعار خطورة تأثيرهم في المجتمع وحساسية استهدافهم في توجيه الرأي العام بمعلومات مغلوطة ومواقف سلبيه.. والمحصلة المؤلمة أن ضعف تقدير المثقفين لمصداقيتهم وضعف قدرتهم على التقييم المنطقي للمعلومة وانسياقهم مع ما يستثير الجمهور على حساب المسؤولية، يحدد حجم الخلل في دورهم الاجتماعي... وإذا قبلنا على مستوى رجل الشارع ما يقوله ريتشارد كوبدن: (إن كل فجوة في المصداقية تنشأ بسبب فجوة سذاجة)، فإنه ليس من المقبول مطلقاً أن نسلم بذلك على مستوى الكتّاب والمثقفين!
أخيراً... فقد كتبت في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) فور تزاحم الانتقادات والسخرية من باقة ورود أحلام وقبل نفي الرواية رسمياً: (إنّ سرعة التصديق بقصة الورد الذي أهدته السفارة ثم الهجوم والإرعاد والتهكم وللأسف من قِبل مثقفين، يكشف أزمة أكثر خطورة من قصة الورد لو صدقت!)
دمتم بود وإلى لقاء.
Eco-manager@al-jazirah.com.sa