حين آن الأوان... خطا خطوات مترددة.. خارجاً من الكهف... لم يعد يتذكر كم لبث هناك... ظن أنها قرونا لطولها... لكنه لم يفقد الأمل أن يخرج منه يوماً... عاد أخيراً لبلدته... سار الدرب المؤدي إليها وهو لا يتبين شيئاً مما حوله... عزا ذلك لطول بقائه في الكهف... لم يهتم... فهو يعرف الطريق حتى وإن لم يراه... ويعرف الناس حتى وإن غابوا عن ناظره...أدرك أنه هناك حين أحس التفاف الناس من حوله... اندفع في حديثه المعتاد... ارتفع صوته مُجلجلاً... توقع الهتافات الصاخبة التي اعتادها...لكنه لم يسمع شيئاً..أنصت ثانية.. لا شيء... بدأت الصور تتشكل أمام عينيه... لا يعرف هذه الوجوه... لم يرها من قبل... تصاعدت منهم الكلمات تحمل أسئلة كثيرة... لم يجد لها إجابات مما وعاه... بل لم يفهم كثيراً منها.. ولما طال صمته... بدأ الناس في الانصراف من حوله... وبدأت الصور تتجلى أمامه أكثر وضوحا.. لا يعرف هذه الأماكن.. لم تثر شيئاً في ذاكرته... سار في الطرقات على غير هدى... يبحث عن ماض ولى...بلا جدوى.. قادته خطواته العشوائية إلى الكهف مرة أخرى... قرر أن يعود هناك... من جديد... عله يجد شيئا..مما فقد.
هشام السحار