رغم أن النظام السوري يعيش حالة إرهاق متنامية يُعوضُ عنها برفع حدة القمع.. إلا أنه يصعب التكهن بما ستؤول إليه تطورات الأحداث في الأزمة السورية الشائكة.. فوسط كثيرٍ من التعقيدات تتباين آراءُ المحللين حول الأوضاع التي تشهدها الساحة السورية في الوقت الراهن مع مخاوف بأن تتحول الساحة إلى حرب طائفية قد يطول أمدُها.
الأزمة السورية لم تعدْ أزمة داخلية أو عربية بل تحولت من صراعٍ داخلي مجتمعي إلى صراعٍ إقليمي ودولي.. هي أزمة أعادت ولادة الثنائية القطبية العالمية واستقطبت المجتمع الدولي بشكلٍ عام وبالتالي باتت مرتبطة بأجندة تحالفات سياسية متعددة على مستوى العالم.. وفي ظل احتمالية ظهور مفاجآت ربما تصبح التطورات أكثر دموية من خلال عمليات القمع الوحشية التي يمارسها هذا النظام المتهالك في محاولة لاستثمار كل الفرص الافتراضية المواتية له.
وفي دائرة شبه فارغة تدور الدبلوماسية الدولية حول سوريا وأزمتِها المعقدة.. لكن السؤال هل سيكون هناك حلٌ سياسي مع نظامٍ فقد شرعيتَه داخل سوريا وخارجها خصوصاً بعد أن تبنت الدول الغربية سلسلة من العقوبات السياسية والاقتصادية عليه إضافة إلى أن معظم الدول بما فيها دول الخليج العربي سحبت سفراءها من دمشق..؟
ومع تطور الأوضاع وإصرار النظام السوري بتفسير الانتفاضة الشعبية على أنها مؤامرة فيُبلور ردة فعله بقمعٍ وحشي.. تسلم كوفي عنان الملف السوري بكل تعقيداته وصعوبته كونه سيتعامل مع نظامٍ مكابر لا يُقيم وزناً للدبلوماسية المهذبة.. ولا يبالي بالدعوات الإقليمية والدولية لوقف المجازر التي يرتكبها ضد شعبه في وضح النهار وتحت مظلة الفيتو المزدوج.
كوفي عنان يملك أوراقاً وإمكانات عدة كونه الأمين العام السابق للمنظمة الدولية.. وسبق أن اتخذ مواقف كثيرة كانت تتسم بالقبول والإيجابية ما أكسبه صفة المحاور البارع.. لكن قد تكون مهمة هذا الرجل صاحب التجربة العريقة في الدبلوماسية هي أشبه ما تكون بمهمة من يريد أن يلتقط إبرة ضائعة في كومة قش ومع ذلك فهي بمثابة الإنذار الذي يسبق العاصفة لكن تبقى فرص نجاح هذه المهمة ضئيلة أمام نظامٍ مراوغ يستخف بكل المبادرات المطروحة إقليمياً ودولياً.
جملة الوقائع والمعطيات تُشير إلى أن مهمة كوفي عنان هي لحظة التقاط التوازن الملائمة لنزع بعض المكاسب قبل فوات الأوان لكن الواقع يقود إلى استنتاجٍ يُفضي بصعوبة المهمة في حقلٍ مليء بالألغام وأمام نظامٍ يحتكر السلطة ويتذرع بالفيتو الروسي الصيني.. هذا الفيتو الذي وقف حائلاً أمام مجلس الأمن لاتخاذِ قرارٍ حاسم بشأن الأسد ونظامه.
كوفي عنان الذي تسلم الملف السوري بحجم تعقيداته وصعوبته.. يدرك تماماً أنه أمام مهمة شائكة.. والتعامل معها لن يكون سهلاً وبالتالي فالاتكاء على المبعوث الأممي في هذه المهمة يأتي بعد استنزاف كل المحاولات السياسية والجهود الدولية لإنقاذ الشعب السوري من هذا النظام.
سوريا اليوم أمام مفترق طرق فتمسك السلطة بالبقاء في الحكم.. وصمود واستمرار الثورة الشعبية فرض نفسه على الأجندة الدولية والإقليمية.. وما بين الشد والجذب فالمؤشرات السياسية التي صدرت من روسيا مؤخراً توحي بأن ثمة انفراج بسيط في الموقف الروسي فيما يتعلق بالأزمة السورية.. اللافت للنظر أن هذا الانفراج البسيط جاء مباشرة بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في روسيا وفوز بوتين بمقعد الرئاسة..!! ترى هل يعني ذلك اتفاقاً ضمنياً بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بهدف تمرير الانتخابات الروسية بشكلٍ سلس ولاسيما أنه قد سبق وأن أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية بنزاهة الانتخابات الروسية..؟ شيء من الغموض في المضامين يعكس نوعاً من التناقض المبهم على أرض الواقع!!!
لكن ماذا لو أخفق المبعوث الأممي في مهمته وتلاشى الحل السياسي؟ (وهذا احتمالٌ واردٌ بنسبة كبيرة).. هل سيكون هناك دراسة لموقف وخيار عسكري، وبالتالي تغليبه كبديل لحل الأزمة وإنقاذ الشعب السوري من ديكتاتورية الأسد المفرطة..؟ نتابع الأحداث ونترقب... فالترقب سيد الموقف.