حينما يفتقد الفرد مصداقية الانتماء لكل ما حوله من قيم ومبادئ يصبح عدواً لنفسه أولاً ثم لمجتمعه.. فكيف إذا كان ممتلكاً لوسيلة تعبير تطال الأعين وتنتشر في كل مكان.
تلك هي حقيقة بعض من يتعامل مع تلك السبل أو الوسائل إن كانت شعراً أو رواية أو إبداعاً تشكيلياً.
فقد أصبح الكثير من (سبل التعبير التشكيلي) اليوم مساحة من العبث أكثر منه إبداعاً، وفرصة لكشف رواسب مقيتة تزاحمت في العقل الباطني لدى بعض التشكيليين سنوات وسنوات، ليجدوا فرصة للتعبير عنها فيما مُنح لهم من حرية التحرك والتنقل، وما سبقها من إشادات أغلبها من المحيطين بهم، سبقها ثقة لم يصنها الكثير منهم، تسببت في تضخم مشاعر الأنا.. ورفع وتيرة الغرور لديهم، فأفقدتهم نظرة مجتمعهم.. ليصبحوا قاب قوسين من الظل.. إن لم يكن قد وقعوا فيه، رغم اعتقادهم أنهم محاطون بالأضواء.
تشكيليون وتشكيليات.. جرفهم تيار الحداثة فأخذوا (أسوأ) ما فيها ليقدموا لجمهور هو الأكثر ذكاء منهم، تلميحات وإشارات غلفت بالألوان والتكوينات أو الوسائط، (لا شك أنها ابتكار في التوظيف) لكنها أبعد من ذلك في (التأويل) ومراوغة المشاهد عبر اللوحة أو ما يُوحي به العنوان، إذ برزت تسميات وأوصاف ظن أصحابها أن لديهم القدرة على تمريرها بذكاء، فغاب عنهم أن الواقع عكس ذلك، إذ إن لكل عنوان أو إشارة عند المتلقي الواعي والحذق.. تفسيراً مطابقاً وفهماً مباشراً، يصنع منه لهؤلاء التشكيليين دوائر تزداد احتكاماً مع كل معرض أو فكرة أو عنوان جديد، ليصل هذا الاحتكام بهؤلاء التشكيليين إلى نقطة البداية من جديد.
أنماط وسبل تشكيل يسبقها تسميات هي الأهم والأبرز والأكثر تحقيقاً للهدف الضبابي (داخلياً) للسعي به نحو الخارج بصورة مغايرة للواقع مغيبة للحقيقة، بتنفيذ ساذج.. باهت.. مكرر.. لا يتطابق مع ما عنون له، أو أطلق عليه من وصف أو اسم، محاولات وجد أصحابها تصفيقاً وإشادات ممن يوافقونهم التوجه، بعبارات تصم الآذان، ويتقزز من حقيقتها النظر، إشادات ودعم معنوي من فئات عدة، منها المستفيد مما يمكن أن تثيره تلك الرسائل اللونية والشكلية (من الفنون التشكيلية) من ردود فعل لدعم حملة لا تغيب عن عاقل مدرك لما تعنيه، أو من أناس تؤثر فيهم الابتسامات المصطنعة والكاريزما التي يمتلكها بعض أولئك.
عذراً للفن التشكيلي المحلي الذي انخدع فيه (بعض القلة) بركوب موجة التغريب (جهلاً)، فبدأ واقعهم يكشف الكثير من الانحراف (فناً) والخروج به عن المسار الحقيقي الأصيل، يفترض أن تكون فيه (الحداثة) مجالاً لبث رسائل ترتقي بالذائقة، محتفظة بالقيم والمبادئ والانتماء، والتمسك بالهوية، لا أن تصبح تلك السبل والمسارات آنية تنضح منها المياه الآسنة وتبعث الروائح النتنة وملاذاً يسمع فيه نعيق فيه البوم وضباح الثعالب.
آمل أن لا يبتعد القارئ أو التشكيليون كثيراً في تعميم الرأي، فقد احتويت كلمة (بعض) بهلالين، فالساحة مليئة بالمبدعين المجددين العارفين لكيفية التعامل مع ركوب تلك الموجة، لكن الأمر يتعلق بمن ظهرت أخطاؤهم على السطح، تلقينا به تفسيراً من خارج الحدود غير ما قالوه لنا..هنا.. في الداخل..
monif@hotmail.com