عندما تكون الدولة صغيرة فأحياناً تكون أقوى أداة من أدوات سياستها الخارجية هي تقديم النموذج والمثل للدول الأخرى. ومن أهم ما يميز الدنمارك على المستوى العالمي هو التزامها القوي بالتحركات الجماعية مثل المشاركة في حرب أفغانستان، حيث إن نسبة مساهمتها مقارنة بعدد سكانها تجعلها الأعلى بين الدول الأربعين المشاركة في هذه الحرب الآن.
وبالمثل عندما يتعلق الأمر بالمساعدات الخارجية وهي واحدة من أبرز أدوات السياسة الخارجية للدنمارك فإن الدولة تحاول أن تقدم نموذجاً جيداً للآخرين. ورغم أن المساعدات التي تقدمها الدنمارك للدول الفقيرة والنامية في العالم تبلغ قيمتها 15 مليار كرونة دنماركية سنويا بما يعادل 2.677 مليار دولار أمريكي لا تزيد عن عشر حجم المساعدات الخارجية التي تقدمها الولايات المتحدة سنويا باعتبارها أكبر دولة مانحة في العالم، فإن الدنمارك هي الدولة الوحيدة في العالم التي تقدم أكثر من النسبة المطلوبة من إجمالي الناتج المحلي كمساعدات خارجية. فالدنمارك تنفق سنويا 0.88% من إجمالي ناتجها المحلي على المساعدات الخارجية في حين أن الأمم المتحدة تطالب دول العالم بتخصيص 0.7% من إجمالي ناتجها المحلي لهذه المساعدات.
ومع التركيز على القيام بدور النموذج الجيد للآخرين كجزء أصيل في فكر السياسة الخارجية الدنماركية فإنه من غير المعقول أبدا ألا تلقي الحكومة بكل ثقلها وراء تصريحات وزير الخارجية فيلي سوفندال التي قال فيها: إنه «لا يمكن استخدام المعلومات التي يتم الحصول عليها من المشتبه بهم من خلال التعذيب». الوزير بعد أن قال ذلك اضطر إلى التراجع عن موقفه وأصدر بياناً آخر مع وزير العدل قال فيه: إنه «يمكن الاستفادة من المعلومات التي يتم الحصول عليها عن طريق التعذيب من أجل محاربة الإرهاب».
هذا الموقف يوجه رسالة تقول: إنه رغم معارضة الدنمارك لممارسات التعذيب التي تقوم بها الدول الأخرى ضد مواطنيها فإن الدنمارك مستعدة لغض الطرف إذا تم الحصول على معلومات قيمة من خلال التعذيب تساعد في حماية أرواح الدنماركيين.إن التعاون مع الدول التي تمارس التعذيب سوف يشوه صورة السياسة الخارجية للدنمارك. ولكن الأمر سيزداد سوءا عندما تبدو هذه الدولة الصغيرة وهي تتصرف بمعايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالتعذيب.
افتتاحية (كوبنهاجن بوست) الدنماركية