من أعظم النِعم التي أنعم اللهُ عزّ وجلّ بِها على العبد في هذه الحياة الدنيا، أن هداهُ للإسلام، وجعلهُ من أتباع خيرِ الخلقِ، وسيدِ الأنام، وهي النعمةُ التي يسعدُ من استقام عليها صاحبُها في الحياةِ وبعدَ المَمَات. ولعل مِما ينبغي التنبيهُ له، والتأكيدُ عليه، أن يُعِد الإنسان لحياتهِ الحقيقية بعد مُغادرتهِ لهذه الدار إلى دارِ القرار، خصوصاً ونحنُ نرى جميعاً أن الكثيرين مِنا - إلا من رحِم الله - ينسى أو يتناسى حالهُ بعد رحيلهِ من الدارِ الفانيةِ إلى الدار الباقية. ولعل مِما لا شك فيه أن استحضار أمور الآخرة، والاستعداد الحقيقي لها، يُعتبرُ من أعظم البراهين الدالة على إيمانِ العبد بما ينتظرهُ بعد رحيلهِ من هذهِ الحياة الدُنيا.
ولعلَ من كرمِ اللهِ عزّ وجلّ علينا، ورحمتِهِ سُبحانهُ وتعالى بِنا، أن فتح لنا أبواباً كثيرةً مِنْ أبواب الخير التي يستمِرُ أجرُها وثوابُها للمُسلِم بعد فراقهِ لهذه الدار، ورحيلهُ مِنْها، ولعل خيرُ دليلٍ على ذلِك، حديثُ المُصطفى صلى اللهُ عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) (رواه أبو داود بسند صحيح). ولعل مِما ورد في هذا الحديث قولهُ عليهِ الصلاةُ والسلام: (صدقةٍ جارية)، ومعروفٌ أن الصدقةُ الجاريةُ تُعتبرُ من الأعمال المُباركة التي لها أثرٌ كبيرٌ على المُسلم في حياتِهِ وبعد مماته، سواءً في الصحة، أو سعةِ الرزق، أو دفع ميتةِ السوء، أو مغفرة الذنوب، أو الثواب الجاري للعبدْ حتى بعد رحيلهِ من هذه الدار.
وحيثُ أن الوقف يُعتبر من أبرز وأهم الصدقات الجارية المُقربة إلى اللهِ عزّ وجلّ، وهو حبس العين عن تمليكها لأحد من الناس، وصرف منفعتها إلى الموقوف عليه، فلقد شرع اللهُ عزّ وجلّ أن يوقف المُسلم من مالهِ في حياته، أو يوصي بهِ بعد مماته، وإن كان الأفضل والأولى أن يوقف المُسلم وقفاً لهُ في حياته، ويُنجزهُ ويُحدِدُ مصارفه، ليتحرى الواقف بنفسه في بعض الأعمال الخيرية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الدعوة إلى اللهِ، وتعليمِ كتاب الله، وبناء المساجد وصيانتها والإنفاق عليها، وطباعة الكُتُب النافعة، وتفطير الصائمين، ورعاية الأيتام والفقراء والمساكين، ومُساعدة الشباب المُقبلين على الزواج، وغير ذلِك من أوجه وأبواب الخير المتنوعة.
ونظراً لأن الكثير من هذه المجالات الخيرية المتنوعة تقوم بالدرجة الأولى على ما يبذلهُ المُحسنون وأهل الخير، سواءً وُلاة الأمر، أو أصحاب رؤوس الأموال، أو غيرهم من المواطنين الباحثين عن الأجر والثواب، فإن الحاجة أصبحت ماسة - وماسة جداً - إلى إقامة أوقاف ثابتة تكونُ داعماً رئيسياً لهذه الأعمال الخيرية، ولقد أحسنت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بإنشاء الصندوق الوقفي للمساجد، والذي أنشئ بموجب قرار مجلس الوزراء الذي جاء نصهُ بما يلي: (ينشأ صندوق وقفي بحساب موحد في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد يخصص لعمارة المساجد وصيانتها وتشغيلها ويمول من تبرعات أهل الخير وأوقافهم ومن الأوقاف الأخرى التي تسمح شروط واقفيها بذلك)، والذي جاء قرار مجلس الشورى بأغلبية أعضائه بالموافقة على تفعيله، ومُطالبة الوزارة عبر توصيةٍ هامة بهذا الشأن بإعداد قاعدة بيانات مُتكاملة عن المساجد، شاملةً مواقعها ومبانيها وموظفيها ومناشطها، وكل ما يتعلق بها، ويستفاد فيها من الأنظمة الحاسوبية والتقنيات العصرية، على أن تقوم وزارة الشؤون الإسلامية بتفعيل عملها في الخارج، وتكثفه بمختلف الوسائل والأساليب المناسبة، في سبيل تحقيق رسالتها العالمية في التعريف بدين الإسلام، والدعوة إليه، ودعم الجاليات، وتصحيح المفاهيم المغلوطة تجاه مناهج المملكة ورسالتها.
أسألُ الله أن يحفظ لهذه البلاد المُباركة وُلاة أمرِها، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وحكومتهم الرشيدة، وأن يُعزهُم بالإسلام، ويُعز الإسلام بهِم، وأن ينصُرَ بِهِم دينه، ويُعلي بهم كلمته، إنهُ سميعٌ مُجيب.