بين الواقع والمعقول مسافات غامضة قد يسيء بعضنا تقديرها؛ فلا يحسن التعامل معها، في حين تتجلى هذه المسارات بكامل تفاصيلها للمتلقي الذي سيكشف أي خلل فيها دون أن يشعر صاحب الأنا (المتحركة) بذلك.
لا أعرف لماذا يتجاهل من يسمون بـ(المدربين الدوليين المعتمدين) مسألة تباين القدرات الذاتية بين الناس، وأن هذا الاختلاف حِكْمة كونية، هي من رأفة الله سبحانه وتعالى بعباده؛ فلا يمكن أن نكون جميعاً عباقرة أو محدودي الذكاء؛ فهذه سُنَّة الحياة، وكلٌّ ميسَّر لما خُلق له.
هؤلاء المدرِّبون المعتمدون ليسوا متخصصين أو مؤهلين علمياً، لكن لديهم قدرات خاصة على (الثرثرة) الجذابة التي يرددونها في كل دورة، وبالأسلوب نفسه ومتعلّقاته من الكلمات والحركات والسكنات، وفي الغالب ما يكون حديثهم عن تطوير الذات مجرد مدخل للحديث عن ذواتهم (الخلاقة) وقدراتهم (المخملية) التي تؤهلهم لحل أصعب القضايا، بداية بالخلافات الزوجية الغائرة التي يدَّعي أحدهم علاجها بكتابة سطرين أو حتى كلمتين على ورقة بيضاء! وانتهاءً بقضايا المراهقين الشائكة؛ فأحدهم قد خصص له جوالاً، يتلقى عليه استشارات المراهقين على حساب عمله في الإرشاد المدرسي، وآخر يستقبلها بالمواعيد في مكتب فخم ذي طابقَيْن.. وهلم جرَّا.
الغريب في أمر هؤلاء أنهم لا يطبِّقون شيئاً من الكلام الذي يردّدونه؛ وهذا ما يفسِّر وجودهم في ذيل القائمة علمياً ومهنياً؛ فبعضهم يدعي أنه مشغول ومهموم بحل مشاكل الناس التي وهب نفسه لها، وسُخِّر لحلها، ولم يجد وقتاً لنفسه! بطريقة أو بأخرى يحاول هؤلاء إقناع الحضور بأنهم قدوة وحالة استثنائية خاصة لن يجود الزمان بمثلها؛ فهم المنقذون الذين لن تصلح أحوال الناس إلا بهم، وعلى قدر فتنتهم بالمشي على الجمر والتنويم المغناطيسي إلا أنهم لم يمنحوا أنفسهم فرصاً أخرى للقفز من الأماكن الشاهقة أو الاستلقاء على المسامير الحادة؛ فسيظل الجمر والساعة هما الأبخس ثمناً.
نحن في زمن اختلطت فيه المفاهيم، وضاعت فيه القيم؛ فمن الطبيعي أن نجد الجهَّال يناقشون ويجادلون في التفاصيل العلمية التي سيترك العقلاء النقاش فيها للمختصين؟! ولكن هذا هو الواقع، ونحن مضطرون للتعاطي معه، في ظل عدم وجود جهة معنية بالتقييم، وخصوصاً في هذه المجالات البوهيمية المتعلقة بالذات الإنسانية وسلوكها؛ فلن يصيبنا العجب إن شاهدنا أحد المواظبين على حضور هذه الدورات متصدراً إعلانات الصحف كونه مدرباً معتمداً في تطوير الذات! وسيروي للحضور الذين لن يتجاوز عددهم أصابع اليد حكايته مع تلك الصالة العظيمة التي تغص بآلاف المتدربين وشيئاً من أحاديث الألف ليلة وليلة!
Alfaisal411@hotmail.com